ابن الحنفية وتوهُّم الإمامة | مركز الهدى للدراسات الإسلامية

0
10







ابن الحنفية وتوهُّم الإمامة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ممَّا ينقل أنَّ أمير المؤمنين (ع) قد أوصى الإمام الحسن والحسين (ع) بأخيهما محمد خيراً، وممَّا ينقل عنه أنهُ كان رجلاً تقياً ورعاً، بكى على الحسين طيلة دهره. وقد نسبت له فرقة الكيسانية التي أدعت أنهُ المهدي (ع).

ما مصداق الرواية التي تقول أنَّ محمد بن الحنفية ادَّعى الإمامة وذهب مع الإمام زين العابدين(ع) إلى الحجر الأسود، وقال مَن يكون هو الصادق فإنَّ الحجر ينطق بإسمه؟ وهل يعقل أنْ تكون هذه الشخصية الكريمة والتي أوصى الإمام بها، جاهلة بإمامة الأئمة وتدعي أنها إمام دون وجه حق؟

الجواب:

الرواية التي تشير إليها رواها الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وزُرَارَةَ جَمِيعاً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ (ع) أَرْسَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ع) فَخَلَا بِه فَقَالَ لَه: يَا ابْنَ أَخِي قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه (ص) دَفَعَ الْوَصِيَّةَ والإِمَامَةَ مِنْ بَعْدِه إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) ثُمَّ إِلَى الْحَسَنِ (ع) ثُمَّ إِلَى الْحُسَيْنِ (ع) وقَدْ قُتِلَ أَبُوكَ رَضِيَ اللَّه عَنْه وصَلَّى عَلَى رُوحِه، ولَمْ يُوصِ وأَنَا عَمُّكَ وصِنْوُ أَبِيكَ ووِلَادَتِي مِنْ عَلِيٍّ (ع) فِي سِنِّي وقَدِيمِي أَحَقُّ بِهَا مِنْكَ فِي حَدَاثَتِكَ فَلَا تُنَازِعْنِي فِي الْوَصِيَّةِ والإِمَامَةِ، ولَا تُحَاجَّنِي فَقَالَ لَه: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع) يَا عَمِّ اتَّقِ اللَّه ولَا تَدَّعِ مَا لَيْسَ لَكَ بِحَقٍّ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، إِنَّ أَبِي يَا عَمِّ صَلَوَاتُ اللَّه عَلَيْه أَوْصَى إِلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَتَوَجَّه إِلَى الْعِرَاقِ، وعَهِدَ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ بِسَاعَةٍ، وهَذَا سِلَاحُ رَسُولِ اللَّه (ص) عِنْدِي، فَلَا تَتَعَرَّضْ لِهَذَا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ نَقْصَ الْعُمُرِ وتَشَتُّتَ الْحَالِ إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ جَعَلَ الْوَصِيَّةَ والإِمَامَةَ فِي عَقِبِ الْحُسَيْنِ (ع) فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ ذَلِكَ فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ حَتَّى نَتَحَاكَمَ إِلَيْه ونَسْأَلَه عَنْ ذَلِكَ.

 قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع) وكَانَ الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا بِمَكَّةَ فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا الْحَجَرَ الأَسْوَدَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ: ابْدَأْ أَنْتَ فَابْتَهِلْ إِلَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ وسَلْه أَنْ يُنْطِقَ لَكَ الْحَجَرَ ثُمَّ سَلْ، فَابْتَهَلَ مُحَمَّدٌ فِي الدُّعَاءِ وسَأَلَ اللَّه ثُمَّ دَعَا الْحَجَرَ فَلَمْ يُجِبْه، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع) يَا عَمِّ لَوْ كُنْتَ وَصِيّاً وإِمَاماً لأَجَابَكَ قَالَ لَه مُحَمَّدٌ: فَادْعُ اللَّه أَنْتَ يَا ابْنَ أَخِي وسَلْه، فَدَعَا اللَّهَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع) بِمَا أَرَادَ ثُمَّ قَالَ: أَسْأَلُكَ بِالَّذِي جَعَلَ فِيكَ مِيثَاقَ الأَنْبِيَاءِ ومِيثَاقَ الأَوْصِيَاءِ ومِيثَاقَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ لَمَّا أَخْبَرْتَنَا مَنِ الْوَصِيُّ والإِمَامُ بَعْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) قَالَ: فَتَحَرَّكَ الْحَجَرُ حَتَّى كَادَ أَنْ يَزُولَ عَنْ مَوْضِعِه ثُمَّ أَنْطَقَه اللَّه عَزَّ وجَلَّ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ الْوَصِيَّةَ والإِمَامَةَ بَعْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وابْنِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّه (ص) قَالَ: فَانْصَرَفَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وهُوَ يَتَوَلَّى عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ (ع).

وأورد الكليني الرواية من طريقٍ آخر قال: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع مِثْلَه(1).

 فالرواية بكلا الطريقين صحيحة السند، وهي تدلُّ على إيمان ابن الحنيفة بعد التحاكم إلى الحجر، والامور بخواتيمها. فلا غضاضة على الرجل إنْ كان مشتبهاً فاستبصر.

وقد ورد أنَّ رجلاً يُدعى أبو خالد الكابلي كان يعتقد بإمامة محمد بن الحنيفة فأخبره محمدُ بن الحنيفة أنَّ الإمام عليه وعلى كلِّ مسلم هو عليُّ بن الحسين (ع)(2) وبذلك صحّح الرجل اعتقاده ورجع إلى الإمام زين العابدين (ع).

وأمَّا عدم تعقُّل جهل محمد بن الحنفيَّة بإمامة الأئمة بعد الحسين (ع)، وأنَّه كان رجلاً تقيّاً ورعاً فهو إن كان كذلك إلا أنَّ العصمة لأهلها، فلا يُستبعد عن أحدٍ الزيغ عن الحق، نعم لا ضير على السيد محمد (رحمه الله) بعد أن تداركه اللهُ تعالى برحمته ومنَّ عليه بالبصيرة بعد أنْ كاد يهلك كما أفاد الإمام زين العابدين (ع).

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

20 / مارس / 2008م



المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد