الحوار مع الاخر من منظور قرآني
في حين أننا نجد أهم هذه النظريات وأنجعها بالدليل والبرهان في كتاب الله العزيز ،حيث تحدث تعالى في أكثر من موضع مع رسوله محمد(ص) عن آلية الحوار مع الآخر وأثبتت فعاليتها ، حتى بات الناس يدخلون في دين الله أفواجا.
أولها : وصفه للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : (( …… وإنك لعلى خلق عظيم )) ( القلم ـ ٤) ، ما يعني أن على الإنسان الذي يريد أن يَدْعُو الآخر إلى نفسه عليه أن يكون بالدرجة الأولى ذو خلق قويم ، وأساليب التحاور مع الطرف المقابل يجب أن تكون مقرونة بأصول وقواعد تتسق مع الخلق والروح .
ثانيا : أن يعمد إلى تسوية نفسه بالطرف الآخر حين المحاجّة ،فلا ينطلق من مبدأ الاستعلاء والتفوّق ، ففي قوله تعالى : (( …….. وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين )) ( سبأ ـ ٢٤) ، ففي سياق حواره مع الآخر لم يقصد تحقير الطرف المقابل وإعلاء شأن نفسه ، بل سَوَّاهَا بها – ومن سوّاك بنفسه ما ظلمك -وهو يكنّ الإحترام له ، لِذَا يستخدم الأدب والرّقة في تعبيراته ( لعلى هدى ……..) ، ولا يقصد تحميل الآخر أفكاره ، بل يرغب في إيجاد الدافع لديهم حتى يوصلهم إلى الحقيقة بمنتهى الحرية ، فكان هدفه من الحوار طلب الحق وليس التعالي ،إذ لا مصلحة شخصية تدفعه ، بل دافعه نابع من إخلاصه وحبه للآخرين وحرصه على هدايتهم، وذهب إلى أبعد الحدود إلى ان نهاه الله تعالى بقوله (( لا تذهب نفسك عليهم حسرات )) ( فاطر ـ ٨ ) .
ثالثا : حين وصفه برقّة الشعور ، وصفاء القلب والسّريرة ، الّتي لولاها لأنقض النَّاس من حوله حيث يقول عنه تعالى في كتابه الكريم : (( فبما رحمة من الله لِنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك )) ( آل عمران ـ ١٩٥) ، فهذه الرحمة والحب الكامن في حنايا يتيم مكّة ، استطاع أن يليّن أقسى القلوب من أهل الجاهلية ، وقد ورد في الأحاديث أنه وصل من رحمة رسول الله (ص) أنه لم يقتل أحداً بسيفه ، والأهم من كل ذلك هو استخدام أسلوب الأحسن الّتي هي من صيغة أفعل التفضيل ، كناية عن أفضل أسلوب في الحوار (( ادفع بِالَّتِي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم)) (فصلت ـ ٣٤) ، فالكلمة الطيّبة كالشجرة تؤتي أُكلها كلّ حين بإذن ربها .
سنية حمادة
ماجستير تفسير وعلوم القرآن