الدرس القرآني الثاني عشر؛ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك

0
8

 

ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي خلال أيّام شهر رمضان المبارك بشكل يومي مجموعة من الدروس القرآنية للإمام الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته. وقد تمّ إعداد هذه الدّروس تحت عنوان “ربيع القرآن” بشكل تراتبيّ من الجزء الأوّل حتّى الجزء الثلاثين من القرآن الكريم حيث سوف يُنشر في كلّ يومٍ من أيّام الشهر الفضيل درسٌ من هذه الدروس على الموقع الرّسمي وحسابات شبكات التواصل الاجتماعي.

……….

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

هود ﴿١١٢﴾

 

الآية التي شيبت النبي الأكرم (ص)!

يقول الله تعالى لرسوله في سورة هود:«فاستقم كما اُمرت ومن تاب معك ولا تطغوا» (۱). وجاء في رواية عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال:«شيّبتني سورة هود» (۲) أي شيّبتني سورة هود نتيجة ثقل الأمر الذي تحمله في آية من آياتها. وروي أنَّ المراد هو هذه الآية «فاستقم كما اُمرت». لماذا شيّبت هذه الآية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ لأنَّ الله تعالى يقول في هذه الآية: عليك بالإستقامة والثبات والتحلّي بالصبر في هذا الطريق كما أمرناك. إنَّ هذه الإستقامة عمل شاق، إنَّه الصراط؛ أي حبل الصراط، الذي ضُرِب لنا مثله في يوم القيامة، وهو حقيقة عملنا وسلوكنا في الدنيا، نحن الآن نعبر على حبل الصراط، فعلينا أن نتوخّى الحذر والدقة. إلا أنَّ الأهم من ذلك ـ كما أظن ـ هي العبارة التالية: «ومن تاب معك». فليس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحده مأمور بالإستقامة، بل عليه أن يهدي جمعاً كبيراً من المؤمنين الى الإستقامة في هذا الطريق.

إنَّ الأفراد الذين يكونون عُرضةً للهجوم من قبل آفات الحياة ومفاسدها كالأعداء والمتآمرين والظلمة وقوى الهيمنة من جهة، ومن قبل أهوائهم النفسية والرغبات النفسية والقلوب التي تستميلها زخارف وبهارج الدنيا، وتنجر ورائها من جهة أخرى، سوف ينحرفون يميناً أو يساراً عن جادة الإستقامة، وإنَّ كلاً من حبَّ الذهب والفضة والأموال والرغبات الجنسية والرئاسة وغيرها، يمثل حبلاً يلقى في قلب الإنسان لينجر ورائها، وإنَّ المقاومة والثبات للحيولة دون أن تنزلق قدم الإنسان نحو ذلك، هو المراد من عبارة «ومن تاب معك»؛ إنَّ المؤمنين يقعون تحت تأثير هذين المؤثرين القويين ـ ضغط العدو، والضغط الداخلي للقلب المصاب بالهَوَس ـ وأغلب الظن، أنَّ ما شيّب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو همّ هداية هؤلاء المؤمنين نحو الصراط المستقيم، والمحافظة عليه مع تأثير هاتين القوتين الجاذبتين.(۳)

 

خطر الانحراف عن توجهات الثورة الإسلامية

النقطة المقابلة لهذا التحرّك المستقيم الذي ورد في هذه الآية الشريفة هو الطغيان؛ ”ولا تطغوا“. الطغيان يعني التمرّد؛ والانحراف. يقول الله عزّوجل للرسول الأكرم (ص): عليك أنت والذين معك أيضاً أن تواصلوا السير على هذا الطريق بشكل صحيح وأن لا تنحرفوا؛ ”إنّه بما تعملون بصير“. يقول العلّامة الطباطبائي الجليل في تفسير الميزان؛: لحن هذه الآية هو لحن التشدّد؛ ولا وجود لأيّ علامة رحمة في هذه الآية، يخاطب الله عزّوجل الرّسول الأكرم (ص) شخصيّاً؛ ”من أفراد النبيّ بالذّكر“. في الدرجة الأولى، يخاطب شخص النبيّ الأكرم: ”فاستقم“. لذلك فإنّ هذه الآية بالنحو الذي دفع النبيّ الأكرم لأن يقول بشأن سورة هود: ”شيّبتني سورة هود“.

وفي مكان آخر من القرآن يقول الله عزّوجل: ”فلذلك فادع واستقم كما أُمرت“ (٤) لكنّ عنوان ”فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا“ يوجّه خطاباً قاسياً لشخص النبيّ الأكرم (ص). هذا الخطاب يهزّ قلب النبيّ (ص). ومردّ هذا الأمر هو أنّ تغيير التوجّهات والانحراف عن المسار الأساسيّ -وهذه التوجّهات تمثّل الهويّة الأساسيّة لأيّ ثورة والانحراف عنها يعني الانحراف عن المسار الأساسي- يغيّر المسار بشكل كلّي بحيث أنّ هذه الثورة لن تحقّق مآربها. (٥)

نحن نحتاج اليوم إلى الإستقامة. نحن ـ أيضاً ـ مبتلون بتعلّق قلوبنا وأهوائنا بجاذبية الحياة ذات الألوان المختلفة، فما أكثر الأشخاص الذين رأيناهم في عهد الثورة وقد كانوا يمتلكون قلوباً صالحة، وعقائد صحيحة، إلا أنَّهم لم يصمدوا بعد ذلك في مواجهة الخلود للدعة والشهوات، و حبّ التسلط والرئاسة، والمدح من قِبَل هذا وذاك، وتهديد العدو، فمالوا الى هذه الجهة أو تلك، وأصبحوا معارضين، وأحياناً معاندين للخط الإلهي. بناءً على ذلك فإنَّ الثبات أمرٌ ضروري .. (٦)

التحدّي الأساسي ضمن كلّ التحوّلات الاجتماعيّة الكبيرة -ومن ضمنها الثورات- هو صون توجّهاتها الرئيسيّة. هذا أهمّ تحدٍّ يواجه أيّ تحوّل اجتماعيّ عظيم تكون لديه أهداف يسير من أجل الوصول إليها ويدعو لتحقيقها. ينبغي أن تتمّ المحافظة على هذه التوجّهات. فإذا لم تُحفظ التوجهات نحو الأهداف في أيّ ثورة وحركة اجتماعيّة، سوف تتحول الثورة إلى نقيضها. (٧)

 

الإستقامة ضروريّة في الأهداف لا في الأساليب

ينبغي أن يكون معيارنا في الأهداف والأسس ”فاستقم كما أُمرت“. الأهداف، أهدافٌ إلهيّة وليس جائزاً أيّ شكّ في هذه الأهداف أو الارتداد عنها؛ لكن ينبغي أن يكون التكامل، والإصلاح، والتغيير وإزالة الأخطاء ضمن مخططاتنا الحاضرة دائماً في مناهجنا. فنحن نتحدّث ضمن أهدافنا عن الثّبات؛ علينا أن لا نخلط بين ”الهدف“ و“المنهجيّة“. ليس ضروريّاً الثبات على ”المناهج“؛ فالاختبارات تسري أيضاً على المناهج لتحديد الخطأ والصواب. لكن علينا أن نثبت بقوّة على الأهداف وأن لا نتراجع قيد أنملة. (۸)

الهوامش:

  • سورة هود؛ الآية ١١٢
  • الخصال، الشيخ الصّدوق، ج١، ص١٩٩
  • كلمته في لقاء مع التعبويّين ٢٦/٣/٢٠٠٦
  • سورة الشورى؛ الآية ١٥
  • كلمته في خطبتي صلاة الجمعة في حرم الإمام الخميني (قده) ٤/٦/٢٠١٠
  • كلمته في لقاء مع التعبويّين ٢٦/٣/٢٠٠٦
  • كلمته في خطبتي صلاة الجمعة في حرم الإمام الخميني (قده) ٤/٦/٢٠١٠
  • كلمته في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادة ٢١/٩/٢٠٠٤

المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد