ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي خلال أيّام شهر رمضان المبارك بشكل يومي مجموعة من الدروس القرآنية للإمام الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته. وقد تمّ إعداد هذه الدّروس تحت عنوان “ربيع القرآن” بشكل تراتبيّ من الجزء الأوّل حتّى الجزء الثلاثين من القرآن الكريم حيث سوف يُنشر في كلّ يومٍ من أيّام الشهر الفضيل درسٌ من هذه الدروس على الموقع الرّسمي وحسابات شبكات التواصل الاجتماعي.
……….
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ
سورة طه المباركة ﴿١٣٢﴾
فلنأخذ موهبة الصلاة على محمل الجد
هذه الصّلاة موهبة ليس لها بديل ومنبع فيضٍ لا يزول، نستثمرها لإصلاح أنفسنا أوّلاً ومن نحبّ ثانياً، وهي بوابة مفتوحة إلى جنّة واسعة يسودها الصّفاء، وإنّه لمن المؤسف أن يقضي الإنسان عمره بجوار هذه الجنّة ولا يحاول أن يزورها أو يدعو أحبّاءه إليها، فقد أبلغ الوحي النّبي العظيم (ص)، {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}(١). واليوم عليكم أن تعتبروا هذا الخطاب موجّهاً إليكم وتقدّروا أهميّة الصّلاة، هذه الحقيقة السّاطعة والدرّ الساطع الذي وهبه الله جلّ وعلا لأمّة محمّد (ص). (٢)
علينا أن نتعامل مع ما سمعناه من أنَّ «الصّلوة عمود الّدين»(۳) بجديّة. إنَّ خيمة الدين قائمة على الصلاة، سواء كان ذلك في تقوى وتديّن شخص ما، أو في إقامة إحدى التجمّعات الدينية أو في تديّن أحد البلدان أو المجتمعات. فإذا كنّا لم نتمكّن من تشخيص كيفية تأثير الصلاة في آفاقها الواسعة؛ فإنَّ سبب ذلك يعود الى قصر نظرنا.
الصلاة أول واجب ما أوجب على الرسول الأكرم (ص)
لقد كنّا نسمع أحياناً في عهد الطاغوت من داخل بعض زنزانات السجون الصعبة والموحشة لنظام الشاه، التي كان يسجن فيها سجناء مختلفون، ومن جملتهم السجناء الإسلاميين الذين يحملون أفكاراً إسلامية، وكذلك من بعض الذين كانت لهم ميولاً حزبية وأفكار مختلفة والتي يطلق عليها (إسلامية) على أي حال ـ ولعلي كنت أسمع ذلك مباشرة، وإذا كان الآخرون قد سمعوا شيئاً أيضاً كانوا ينقلونه لنا ـ أنَّ البعض كان يقول: إنَّكم كثيراً ما ترددوا: «حيّ على الصلاة»، قولوا: «حيّ على الجهاد».إلا أنَّ التجربة التاريخية أثبتت أنّ عدم الاهتمام بالصلاة، إذا طرأ على شخص ما، أو على جهاده، سيؤدي الى تعطيل الجهاد، بالإضافة الى إخراج المقاومة عن عنوان الجهاد، وتحويلها الى مقاومة هدفها الوصول الى القدرة وإتباع هوى النفس. إنَّ الأمر الذي يصبغ مقاومة الإنسان وصراع الأمة بصبغة الجهاد ومعانيه هو التوجّه لله تعالى، الذي تعتبر الصلاة سنداً له؛ ولهذا فإنَّ أول الأوامر التي توجهت للنبي (ص) هو وجوب الصلاة، وأول تبليغ عُيّن من قِبَل الله تعالى للرسول (ص)، «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ»؛ والوصف الذي بيَّنه الله تعالى الى المجتمع الموحّد في الدرجة الأولى، «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ»(٤). هذه هي أهمية الصلاة.
الصلاة تشكل الدافع لإقامة مجتمع توحيدي
إنَّ أهم ما يلزم للحركة في هذا الميدان، أمران: الأول: الدّافع: وهو القوَّة الباطنية التي تحرّك الإنسان وتسيّره.الثاني: التوجَّه الصحيح الذي يؤدي الى عدم غفلة الإنسان عن أنوار الهداية، أو الانحراف عن جهتها. إنَّ عدم وجود الدّافع نحو الله يؤدي الى بقاء الإنسان في وسط الطريق، فإنَّ هناك الكثير من المشاكل التي تواجهنا اليوم. إنَّ إقامة المجتمع التوحيدي، وانتشار العدل بين أفراد الإنسانية، وثبات خيمة الحق وسط جميع العواصف الناجمة عن الأهواء الباطلة، ليس بالأمر السهل، بل يحتاج الى دافع، وهذا الدافع هو التحرَّك نحو الله تعالى، وذكره، والإستعانة به، والعمل وفق ما يريده، وأن تكون نيّتنا عند توجيه البوصلة الى القبلة من أجل الصلاة، وجه الله، لا القدرة، أو الثروة، أو عبادة الهوى، أو الرغبات النفسية، أو المداهنات السياسية المختلفة. إنَّ هذين العاملين المهمين وهما التحرّك لأجل الله واتخاذ رضى الله هدفاً دوماً قد تلخصا في الصلاة. كما أنّ الأشخاص الذي يتحمّلون القسم الأكبر من هذه المسؤولية، في حاجة الى المحرَّك نحو الله والتوجّه إليه، كذلك الطبقة المتوسطة من الناس، وعامة أفراد المجتمع يحتاجون الى ذلك. وبالطبع، فإنَّ الأفراد الذين يتحمّلون مسؤوليات أكبر، بحاجة الى ذلك أكثر من غيرهم، فإنَّهم بحاجة إلى هذين الأمرين أكثر من الآخرين: الدافع، والتوجّه الخالص لله تعالى، ولهذا فما الداعي الذي جعل الباري تعالى يخاطب نبيّه الكريم بقوله: «قم اللّيل الّا قليلاً نصفه أو نقص منه قليلا أو زد عليه و رتّل القرآن ترتيلا»؛ لأنَّ الله تعالى يقول: «إنَّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً». (٥)
التمرين من أجل تحصيل التوجه في الصلاة
وإنَّ الأمر المهم في الصلاة الذي لابدّ أن نستند إليه بعد مسألة ترويج أصل الصلاة ـ أي وجوب هداية الجميع من أجل أن يوأدوا الصلاة، ويكونوا مصلين ـ هو التوجَّه في الصلاة، وهو ما يطلق عليه بـ (حضور القلب).إنَّ حضور القلب والتوجّه، هو عمل يحتاج الى ممارسة وتمرين. إنَّ الأشخاص الذين قاموا بهذا العمل ويعرفونه، يعلموننا: بأنَّ الإنسان يجب أن يشعر بحال الصلاة، بأنَّه يقف أمام مخاطَب ذو شأن ومقام عظيم، وهو خالق الوجود ومالك جميع الموجودات. إنَّ أي جزء من الصلاة إذا تُضفى عليه حالة من الخشوع، فسوف يكون مصداقاً لما تضمّنه بتعبير الرواية: ”إنَّ هذه الصلاة صلاة مقبولة“ وسوف يحقق ذلك الأثر وتلك الخاصّية، ثمَّ تترتب آثار الصلاة على هذا النحو.
(…) وعلى مختلف الأجهزة أن تعمل وتبذل الجهود في سبيل [ترويج الصّلاة]. هذا أمرٌ مهمّ؛ ولا يقتصر الأمر فقط على أن نستقطب شخصاً غافلاً أو لا يصلّي إلى الصّلاة؛ وهذا يعني أنّنا نرسّخ دعائم حركة عالميّة عظيمة تمثّل الجمهورية الإسلامية عمودها بين البشر.
وعندما تأنس قلوب الناس بالصلاة ويأنسون بالله عزّوجل عبر الصلاة ويتعرّفون عليه، فسوف تبتعد الذنوب عنهم بشكل تلقائي؛ وسوف تغدو قلوبهم حساسة تجاه الذنوب وتحصل لديهم بشكل تدريجي حالة التقوى تلك التي وردت في الشرع المقدّس وهي قوام التديّن. (٦)
الهوامش:
1) سورة طه؛ الآية ١٣٢
2) نداؤه إلى مؤتمر الصلاة الثالث ٧/٩/١٩٩٣
3) الآمال، الشيخ الطوسي، ص٥٢٩. ”… يا أبا ذر، لا تجعل بيتك قبراً، واجعل فيه من صلاتك يُضيء بها قبرك، يا أبا ذر، الصّلاة عمود الدّين…“
4) سورة الحجّ؛ الآية ٤١
5) سورة المزمّل؛ الآيات ٢-٥
6) كلمته في لقاء مع القائمين على لجنة إقامة الصّلاة ١٨/٩/٢٠٠٦
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.