الطَّيرهان

0
6

وقال أحمد بن أبي يعقوب: كانت سُرّ مَن رأى في متقدم الأيام صحراء من أرض الطَّيرهان لا عمارة بها، وكان بها دَير للنصارى بالموضع الذي صارت فيه دار للسلطان المعروفة بدار العامة، وصار الدير بيت المال.

وقال أبو الحسن المسعودي في ذكر موضع سامرا: وهو في بلاد كورة الطَّيرهان.

وقال أيضاً: فانتهى المعتصم إلى موضع سامرا وكان هناك للنصارى دير عاديّ، فسأل بعض أهل الدير عن اسم الموضع، فقال: يعرف بسامرا.

قال له المعتصم: وما معنى سامرا؟

قال: نجدها في الكتب السالفة والأمم الماضية أنّها مدينة سام بن نوح.

فقال له المعتصم: ومن أي البلاد هي وإلامَ تُضاف؟

قال: من بلاد طيرهان إليها تضاف. ويستفاد من وصف ابن سراخيون للنهر الإسحاقي أن الطَّيرهان كانت تشمل الجانب الغربي من هذه البقعة، فقد ذكر أن الإسحاقي كان يمر بطيرهان حتّى يجيء إلى قصر المعتصم «ص ۱۸، ۱۹».

وذكرها ابن خُرداذبه قال: تكريت… والطَّيرهان والسنّ والحديثة… قال ذلك في كتَّه كور الموصل.

وقال قدامة: وإذ قد أتينا على أعمال المشرق فلنرجع إلى أعمال المغرب، فأولها حدّ الفرات تكريت والطَّيرهان والسنّ والبوازيج وارتفاعها على أوسط العبَر سبع مائة ألف ألف درهم. وكرّر ذلك في كتابه.

وهذه المنطقة كانت مشهورة منذ أواخر القرن الأول للهجرة على عهد الوليد بن عبد الملك، ومن بعده فقد جاء في أخبار الجاثليق النسطوري (صليبا زخا) أنه كان من أهل الطَّيرهان وتعلّم بالمدائن وأنه نصب فشيون الباجرمي أسقفاً على الطَّيرهان.

وبقي هذا الاسم مستعملاً بعد ذلك بدلالة أن الجاثليق النسطوري سرجيس رتب قيّوماً تلميذه أسقفاً بالطَّيرهان وفي أيامه قُتل المتوكل على الله العباسي، وكان إيشوعَزْخا أسقفاً على الطَّيرهان في خلافة المعتمد على الله العباسي، وفي الربع الأول من القرن الخامس للهجرة كان إيليا الأول أسقفاً على الطَّيرهان، وفي أيام القائم بأمر الله العباسي كان مكيخا بن سليمان القنكاني أسقفاً على الطَّيرهان، وكان نرسي أسقف هذه المنطقة في بعض عهد الناصر لدين الله العباسي (٥۷٥ ـ ٦۲۲ هـ). وقرَضَ المغولُ الدولة العباسية سنة ٦٥٦هـ، وكان عمانوئيل أسقفاً على الطَّيرهان بعد هذا التاريخ. وفي بعض عهد الملك أباقاخان ابن هولاكو (٦٦۳ ـ ٦۸۰ هـ) كان بريخيشوع مطرانها.

وذكر ماري بن سليمان مؤرخ كرسي الفطاركة ما يفيد أن «الطَّيرهان» كانت معروفة بهذا الاسم قبل ۳۹۳ من تاريخ اسكندر المقدوني وهي السنة التي توفي فيها مار ماري السليح. فالتسمية قديمة قد ترتقي إلى العصر الآرامي والعصر اليوناني بالعراق، واستمرت إلى أواخر القرن السابع للهجرة ولعلها بقيت إلى أكثر منه، إلاَّ أنَّ اسمها مذكور في الكتب النصرانية أكثر مما في الكتب الإسلاميّة، كما قدّمنا ونقلنا. وطيرهان في صورته اللفظية أقرب إلى اللغة الفارسية منه إلى اللغات الساميّة، بالضد من سامرا.

*******

قِدَم السكن في سامراء

كانت مدينة «أربيل» الحالية المعروفة في التاريخ الإسلامي بإربل وفي التاريخ الآشوري بأربيلا تُعدّ أقدم بلدة مسكونة في عصرنا هذا، لاستمرار السكن فيها من العصر الآشوري إلى اليوم وبعده، ثمّ ظهر في أن سامرا هي القُدمى فقد أثبتت التنقيبات الآثرية في أطلالها أن موضعها كان آهلاً منذ أدوار ما قبل التاريخ.

وقد كشف الأستاذ الآثاري الألماني هرزفيلد فيها عن مقبرة من تلك الأدوار بين السنّ الصخر وآثار العصر العباسي على نحو من ميل واحد من جنوب دار الخليفة أي دار العامة القائمة الأواوين الثلاثة، وعثر على نوع من الفخار المصبوغ أطلق عليها اسم (فخار سامرا) وهو يمثل دوراً من أدوار ما قبل التاريخ المشار إليه آنفاً وقد سمي (دور ثقافة سامرا) إضافة له إلى الموضع الأثري الذي كشف فيه عن هذا الفخار أول مرة، ثمّ عثرت مديرية الآثار العراقية على موضعين آخرين في سامراء يرتقي عصورهما إلى ذلك الزمن، أحدهما في شمالي المقبرة المقدم ذكرها والآخر في جنوبي سامرا على ضفة دجلة فوق صدر القائم ويسمّى تل صوان، وقد جاء اسم هذا الموضع في الكتابات الآشورية بصورة (سُرمارتا Su – Ur – Mar – Ta) وكان لهذا الموضع في أيّام الفرس شأن كبير في محارباتهم الرومان خاصّة ولقربهِ من النهر المعروف بالقاطول الكسروي أي القناة الكسروية.

*******

المصدر: موقع http://www.imamreza.net.

المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد