جواهر علوية.. العزيز الذي لا يغلب هو الله تعالى وحده

0
5

وجاء في الدعاء: “سُبْحانَكَ مِنْ عَزيْزٍ لا يُغْلَبُ” أما سواه تعالى فهو ذليلٌ يُغلَب، ويُقهر، بل مغلوب ومقهور واقعاً، يغلبه الضَّعفُ، ويغلبه المرض، وتغلبه الحاجة، ويغلبه الموت.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “كُلُّ عَزيزٍ غَيرَ اللّهِ ذَليلٌ“.

 

العِزَّةُ‌:

حالةٌ مانِعَةٌ للإِنسَان من أَن يُغلَبَ‌، وهي يُمدَح بها تَارَةً‌، ويُذَمّ بها تَارَةً‌، كعِزَّة الكُفَّار، ووَجهُ ذٰلك أَنَّ العِزَّة للّٰه ولِرسُولِه، وهي الدّائِمَة البَاقِيَة، وهي العِزّة الحَقِيقِيّة، والعِزّةُ‌ التي هي للكُفّار هي التَّعَزُّز، وفي الحَقِيقَة ذُلّ لأَنّه تَشَبُّع بما لم يُعْطَه. 

وقد تُسْتَعَار العِزّة للحَمِيَّة والأَنَفَة المَذْمُومة، وذٰلِك في قَوْله تَعَالى: “وَإِذا قِيلَ لَهُ اِتَّقِ اَللّٰهَ أَخَذَتْهُ اَلْعِزَّةُ‌ بِالْإِثْمِ‌…﴿206/ البقرة﴾ ويُضادُّ العِزَّة: الذِّلَّة، والهَوان، والخَضوع، والوَضاعة، والضَّعَة، والإذعان، والامتهان، والرضوخ، والاستسلام.  

ومِمّا لا شك فيه أن العزيز الذي لا يُغلَب هو الله تعالى وحده لذلك قال سبحانه: “إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴿65/ يونس﴾.

وجاء في الدعاء: “سُبْحانَكَ مِنْ عَزيْزٍ لا يُغْلَبُ” أما سواه تعالى فهو ذليلٌ يُغلَب، ويُقهر، بل مغلوب ومقهور واقعاً، يغلبه الضَّعفُ، ويغلبه المرض، وتغلبه الحاجة، ويغلبه الموت، ولو بلغ ما بلغ من القُوَّة والقدرة قياساً إلى غيره من البشر والكائنات، بل إن الإنسان يغلبه الأقل منه قدرة، والأضعف منه قُوَّة.

ألا ترى كيف يغلب (فايروس) الإنسان فيوهن قوته، أو يقضي عليه فيموت، والفايروس كائن مجهري لا يُرى بالعين المُجَرَّدة، ويقول الإمام أمير المؤمنين (ع): “مِسْكِينٌ اِبْنُ آدَمَ، مَكْتُومُ اَلْأَجَلِ، مَكْنُونُ اَلْحُلَلِ، مَحْفُوظُ اَلْعَمَلِ، تُؤْلِمُهُ اَلْبَقَّةُ، وَتَقْتُلُهُ اَلشَّرْقَةُ، وَتُنَتِّنُهُ اَلْعَرْقَةُ، مَا لاِبْنِ آدَمَ وَاَلْفَخْرَ، أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، لاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدْفَعُ حَتْفَهُ” فأي هوانٍ وذُلٍّ أعظم من هذا؟”.

ولَمّا كانت العِزَّة لله جميعاً، وكان أكثر البشر أذلاء بالمعنى الذي أوضحناه، أي أنهم يُغلَبون ويُقهَرون، إلا أولئك الذين يدفع الله عنهم، ويعينهم، ويقويهم، ويسددهم، ويُثبتهم، وينصرهم، فلا ينبغي للمؤمن أن يتخذ أعداء الله أولياء ليدفعوا عنه ويحموه وينصروه، وكيف ينصرونه ويدفعون عنه وهم مثله أذلاء مقهورون يحتاجون إلى من يدفع عنهم ويحميهم وينصرهم فقال تعالى: “الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴿139/ النساء﴾.

لقد كان المنافقون يأوون إلى يهود يثرب يوالونهم ويكيدون معهم بالنبي (ص) والمسلمين، يرجون أن يقضوا عليه وعليهم، وأن يستعيدوا الإمساك بالأمور في يثرب، فيستنكر الله موقفهم هذا ويقول: لِمَ يتخذون الكافرين أولياء وهم يزعمون الإيمان، أهم يطلبون العزة والقوة عند الكافرين؟ وما أشبه اليوم بالأمس، عرب اليوم يستعِزّون بالكافرين والطغاة والمستكبرين، يستعزون بمن يحتشد العالم لحمايته والذَّبِّ عنه، ورغم ذلك يُهزَم ويُغلَب، وسَيُغلَبُ الجَمعُ ويُوَلّونَ الدُّبُرَ إن شاء الله.

ومتى كان الكافر عزيزاً حتى يستعزَّ به المسلم المؤمن الذي يؤمن بأن العزَّة لله جميعاً؟!.

الكافر لا هو عزيز ذاتاً، ولا الله يُعِزُّه ويحميه وينصره ويكتب له الغلَبة، الكافر ليس عزيزاً مهما بلغ من القوة، لأن الله تعالى قد استأثر بالعزة لا يجدها إلا من يتولاه، ويطلبها عنده، ويرتكن إلى حِماه.

إن المؤمن لا يستعزُّ بغير الله و هو مؤمن. ولا يطلب العزة و النصرة و القوة عند أعداء الله و هو يؤمن بالله. فإذا وجدنا جماعة أو دولة من المسلمين تستعزِّ بالكفار والفُجَّار فذلك كاشف عن أن إسلامها غير حقيقي، وإيمانها شعار وحسب، وما نراه اليوم من دول إسلامية وعربية تحتمي بإمبراطورية الشيطان الأكبر وتحمي ربيبتها في المنطقة لدليل على الخديعة الكبرى التي خُدِعَت شعوبنا بها، وساهم في هذه الخديعة حشد من مشايخ السلاطين والحكام. 

رغم أن دولة الشيطان الأكبر التي أخضعت عددا كبيراً من الدولة بالقهر والغلبة، هذه الدولة لا تحترم الضعفاء وحين تصبح تلك الدول الهشَّة التي تستعزُّ بها ضعيفة ومُكلفة لها تتخلى عنها بسهولة. 

 

الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية

السيد بلال وهبي

المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد