خانات دمشق

0
11

وهذا يعني أن الخانات في دمشق أُنشئت في العصر الأموي واستمرت إلى العصر العباسي، ثمّ الفاطمي، حيث ورد في هذا الكتاب اسم القيسارية الفخرية التي تعود إلى عام ۱۰٤۲م.

ووردت في الكتاب أيضاً أسماء خانات تعود إلى العصر الزنكي زادت على العشرين خاناً، وأسماء خانات تعود إلى العصر الأيوبي تزيد على هذا العدد. ولم يَبقَ من هذه الخانات اليوم أي أثر. أمّا الخانات التي أنشئت في العصر المملوكي فبلغت مئة وخمسين خاناً بقي منها خان الدكة فقط.

وبلغ عدد الخانات التي أُنشئت في العهد العثماني ثلاثة وثمانين خاناً، بقي منها خان المرادية، وخان الجمرك، وخان الزيت، وخان سليمان باشا، وخان أسعد باشا، وخان السفرجلانية، وخان الزعفرنجية، وخان العامود، وخان الرز، وخان العصرونية، وخان القيشاني، وخان التوتون، وخان الصوّان، وخان الصنوبر، وخان السلق، وخان القطن، وخان الجلود، وخان مردم بيك، وخان الجيجاوي، وخان الكزبري، وخان شموط (ولم يذكره الكتاب خاناً بل حمّاماً). وخان القوّتلي، ثم وكالة العشّا ووكالة كحّالة.

ويفتقر أكثر الخانات إلى مصادر تاريخية، سواء منها الخانات المتبقية والماثلة حتّى اليوم أو الدارسة المهدومة، وسنتحدث عن أهم الخانات الدمشقية التي ما زالت باقية، وشملتها عمليات الترميم والتأهيل، بعد أن أُهملت طويلاً. ولابد من القول إن الخانات المتبقية مسجلة في القوائم الأثرية، وهذا يعني أنها في حماية السلطة الأثرية ورعايتها، فلا يجوز هدمها وتغيير أوصافها، حتّى ولو أرادت ذلك السلطات البلدية أو الوقفية.

خان الدكّة: هو أقدم خان ما زال قائماً حتّى اليوم، وتسميته تعود إلى منصّة حجرية فيه، حيث كانت تعرض الجواري والأقنان لبيعها، ولذلك أُطلق عليه أحياناً اسم خان الجواري، ويقع في سوق مدحت باشا.

وهو مؤلف من باحة مكشوفة محاطة بثماني غرف، وثمة قائمة كبرى في الزاوية الشمالية الشرقية، وما زالت أعمدة المنصة أو الدكة قائمة في الباحة التي زالت منها البركة ذات الاثني عشر ضلعاً. وفي الدهليز الذي يعقب بوابة الخان غرفتان من كل جانب، والخان مؤلف من طابق أرضي فقط.

ومن العصر المملوكي ما زال «خان جقمق» قائماً، وكان الأمير سيف الدين جقمق نائب السلطان المملوكي في دمشق أنشأه عام ۱٤۲۱م، وهو يقع كسابقه في سوق مدحت باشا، هذا السوق الذي كان في العهد الروماني السوقَ الرئيسي للمدينة (دوكومانوس).

ولهذا الخان الصغير بوابة مزخرفة كبيرة، تنتهي بعد دهليز مسقوف إلى باحة مكشوفة مستطيلة، كانت لها بِركة سداسية، وأحيطت بغرف عددها ثماني عشرة غرفة. وفي جانبيها إيوانان من الشرق والغرب مغطيان بقبوة متصالبة ويصعد إلى الطابق العلوي من درجتين في الدهليز، وفيه اثنتان وعشرون غرفة، سقوفها كانت مقببة قبل حريق ۱۹۲٥، ثم أعيد بناؤها مسطّحة.

أما «خان الخيّاطين» الذي أنشأه الوالي العثماني شعبان أحمد شمسي باشا سنة ۱٥٥٦م، فإنه يقع في سوق الخيّاطين، وكان اسمه «خان الجُوخيّة». وهو مؤلف من بوابة مزخرفة، ودهليز في طرفيه درج وقاعة واسعة، لعل أحدها كان مطبخاً، وينتهي الدهليز بباحة مستطيلة مؤلفة من مربعين، ومحاطة برواق، ولعل الباحة كانت مغطاة بقبتين لهما أثر واضح في زوايا وأركان القباب المتبقية. ويحيط بالباحة اثنتا عشرة غرفة، كل غرفة مؤلفة من قسمين تعلو كل واحد قبة. أما الطابق العلوي فكان مؤلفاً من عدد مماثل من الغرف التي يتقدمها رواق مُقبَّب يدور حول الباحة ويشرف عليها. ويعتبر هذا الخان أقدم الخانات العثمانية في دمشق.

أما «خان الحرير» الذي يقع في سوق الحرير جنوبي الجامع الأموي الكبير، فأنشأه سنة ۱٥۷۳م درويش باشا، ويطلق عليه اسم قيسارية درويش باشا، وقد أوقفه لصالح جامع الدرويشية وملحقاته.

وتبلغ مساحة هذا الخان الواسع ۲٥۰۰ متر مربع. وتنفتح بوابة الخان المزخرفة من طرف الواجهة المبنية من مَداميك متناوبة من الحجر المنحوت الأبيض والأسود، ويحيط بالخان خارجياً سبعة وعشرون مخزناً. وعندما نتجاوز البوابة، وبعد اختراق الدهليز المغطّى بقبتين متصالبتين، نصل إلى الباحة المكشوفة المحاطة بتسعة عشر مخزناً، لكل مخزن مستودع. وفي وسط الباحة بِرْكة، وتغطي المخازن قبوات سريرية أو متصالبة، وهي مبنية من الحجر المنحوت الأسود، وفوق أبوابها ونوافذها أقواس مزيّنة بمنحوتات بديعة.

ونصعد إلى الطابق العلوي من دَرَجَين في الدهليز، ونصل إلى رواق محيط مغطى بأربع وأربعين قبة صغيرة، تقوم خلفه اثنتان وخمسون غرفة مغطاة بقبوات سريرية، وثمة غرفة واسعة تخرج عن مخطط الخان في الزاوية الشمالية الشرقية، وتقوم فوق مخزن في الطابق الأرضي.

في عام ۱٥۹۳، وبمقتضى وقفية مراد باشا تم بناء «قيسارية ابن القطّان» التي تسمى «خان الصابون»… و «خان المرادية» الذي يسمى «البزستان». أما القيسارية فهي بناء صغير مؤلف من طابقين حول باحة مربعة، وفي الطابق العلوي رواق مغطى بإحدى عشرة قبة.

أما خان «المرادية» فكان موقوفاً على فقراء الحرمين الشريفين، ويقع غربي الجامع الأموي، وله خمسة أبواب، وهو مؤلف من بناء مربع وملحق مستطيل، ويتألف البناء المربع من باحة مربعة محاطة بأربعة وعشرين مخزناً، عدا ثلاثة وعشرين مخزناً خارجياً، أما الملحق فهو دهليز يشكل مدخلاً لخان الجمرك.

أما «خان الجمرك» وهو من منشآت الوالي مراد باشا سنة ۱٥۹٦م، فيختلف بمخططه عن جميع الخانات؛ إذ يمتد على شكل زاوية قائمة من دخلة السليمانية إلى سوق الحرير في اتجاه الشرق. ولقد وصف في وقفية مراد باشا وصفاً دقيقاً مع وصف المرادية. وهو يتضمن ثلاثة وخمسين مخزناً كبيراً وثمانية مخازن صغيرة، وتقوم بين المخازن عضادات تحمل أقواساً تستند عليها تُروس، تحمل تسع قباب ذات رقاب ونوافذ.

وقبل أن نتحدث عن خان أسعد باشا، لابدّ أن نتذكر خان سليمان باشا الذي يقع في سوق مدحت باشا، وهو مبني بمداميك بيضاء وسوداء بالتناوب. وهو كباقي الخانات هندسة، ويمتاز بباحة مستطيلة كانت مغطاة بقبّتَين زالتا وما زالت آثارهما باقية. وفي مدخل الباحة تقوم سبع عشرة غرفة ومخزن وإسطبل ودورتانِ للمياه.

أما الطابق العلوي فمؤلف من رواق مغطّى بقبوات متصالبة ومُحاط بتسع وعشرين غرفة ذات نوافذ من الطرفين، الداخلي والخارجي، ولهذا الخان أبواب ثلاثة تقع في الزاوية الجنوبية الغربية. ابتدأ بناء هذا الخان بأمر الوالي سليمان باشا العظم سنة ۱۷۳۲م وانتهى عام ۱۷۳٦م، وفي عهد ابن أخيه أسعد باشا سنة ۱۷٤۳ ابتُدئ ببناء خان أسعد باشا الذي يستحق بحثاً مستقلاً، فهو رائعة معمارية تفوق نظائرها في جميع أنحاء البلاد التي انتشرت فيها الخانات الإسلاميّة، وصفه «لامارتين» عند زيارته إلى دمشق، بكثير من الإعجاب والتقدير لصانعيه ومصمميه.

أُنشئ خان أسعد باشا في عام ۱۷٤۳م، وانتهى بناؤه عام ۱۷٥٦م وهو ملك خاص لوالي دمشق أسعد باشا العظم. ثم انتقلت ملكيته إلى عدد من التجار، ثم استملكته مديرية الآثار مؤخراً، ورمّمته لاستخدامه سوقاً سياحية للصناعات الشعبية.

يقع الخان في سوق البزورية الشهير، حيث باعة العطارة والسكاكر، إلى جانب حمّام تاريخي أُنشئ في عهد نور الدين بن زنكي. وتبلغ مساحته ۲٥۰۰متر مربع، ويمتاز بواجهة عريضة في وسطها بوابة ضخمة مزخرفة، يعلوها ساكف مزخرف بقوسَينِ بارزين متشابكين، وفوقهما تجويف من المقرنصات يحيطه قوس مركب من أحجار متشابكة مسننة بلونين أبيض وأسود متناوبين، وفوقه نافذتان، وعلى جانبي القوس الأعلى نوافذ مستطيلة، ومن الأسفل فتحتان مزدوتان بفسقيتين، وفي واجهة البناء الجنوبية والغربية ۳۱ مخزناً. وبعد دهليز عريض يستوعب غرفتين للحراسة ومصعدي الدرجين، نصل إلى باحة ذات فتحة سماوية دائرية توحي أنها كانت مغلقة بقبة، وفي وسط الباحة بركة مثمنة. وجدران الباحة التي تشكّل واجهات الغرف مبنيّة بالحجر الأسود والأبيض بمداميك متناوبة. وتحيط بالفتحة السماوية ثماني قباب تغطي الباحة، عدا مركزها، بمساحة ۷۲۹ متراً مربعاً، وأعيد ترميم بعض هذه القباب مؤخراً، وهي ترتفع عشرين متراً.

ويتألف الخان من طابقين: الطابق السفلي ويحوي واحداً وعشرين مخزناً أكثرها مزود بمستودعات، وفي القسم الشمالي الغربي مسجد صغير ينفتح إلى خارج الخان.

ويتألف الطابق العلوي من أروقة مشرفة على الباحة، وخلفها خمس وأربعون غرفة، وجناح للمراحيض، الغرف كلها مغطّاة بقباب صغيرة وذات أبواب ونوافذ ما زالت تحتفظ بأصالتها مع أقفالها.

وواجهة هذا الخان ومشهده الداخلي يثيران الإعجاب بروعة الزخرفة، والتنسيق اللوني، مع دراسة رائعة للفضاء الداخلي.

وفي مقابل خان أسعد باشا يقوم خان صغير يضم مجموعتين من المخازن، بينهما ما زال قائماً عمود يحمل أساس عقود مما يدل على أنه كان يحمل أعصاب قبتين تغطيان باحتي المجموعتين، وهو مؤلف من طابقين، ويطلق على هذا الخان اسم «خان العمود»، ولا يُعرَف تاريخه الدقيق.

وليس بعيداً من هذا الخان، يقوم «خان الصدرانية». ويختلف مخططه عن باقي الخانات، بسبب مساحة الأرض المحدودة الضيقة. ويلفت النظر بحلوله الهندسية التي أدت إلى الاستفادة من كل جزء من الأرض لإقامة المخازن والغرف حول باحة مستطيلة، وعددها ثلاثة عشر مخزناً. أما غرف الطابق العلوي فهي مهدمة ومهجورة.

وثمة خان صغير يسمى «الزعفرنجية» يشبه هندسياً خان الصدرانية، وهو معاصر له.

إن عدد الخانات الوافر في دمشق، وما زال القليل منها باقياً، يدل على مدى ازدهار الحياة الاقتصادية والتبادل التجاري بين دمشق وغيرها من المدن السورية أو العواصم الإسلاميّة، خصوصاً مكة المكرمة والمدينة المنورة، إذ كانت مواسم الحج ذهاباً وعودة من أخصب المواسم وأطولها، وأثرت الظروف السياسية والاقتصادية في الدول المجاورة وفي سورية، على المواسم الاقتصاديةَ، ما نراه واضحاً في تزايد أو إهمال الخانات عبر التاريخ.

*******

المصدر: موقع www.imamreza.net.

المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد