خصوصية المفردة القرآنية وعروبتها وبلاغتها (6)

0
9

 

فقد شرف الله (عز وجل) اللغة العربية بأن أنزل كتابه العظيم بها وجعلها وعاء للرسالة الخاتمة فقال:

◇﴿إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [٢/ يوسف]

◇﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ﴾ [٣٧ الرعد]

◇﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ [١١٣/ طه]

◇﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [٢٨/ الزمر]

◇◇﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [3/ فصلت]

◇◇﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [7/ الشورى]

◇◇﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [٣/ الزخرف]

◇◇﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ﴾ ﴿12/ الأحقاف﴾

◇﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ [103/ النحل]

◇﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ [١٩٥/ الشعراء]

 

إذن، هناك أكثر من عشرة مواضع مختلفة تصف القرآن بأنه [عربي]، وتثني على صفة كونه عربياً، وهذا شيء طبيعي لأن القرآن نزل على نبي عربي [محمد ص] من أبوين عربيين، في مدينة عربية [مكة] وفي قبيلة عربية [قريش] وفي شبه الجزيرة العربية، مركز ومجمع القبائل والعشائر العربية، بحيث أخرج الحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير والأوسط عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم:

[خلق [الله] الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا خيار إلى خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم].

 

وبما أن العرب أول من نزل القرآن والوحي الالهي بين ظهرانيهم، وهم حملوا راية الاسلام الى أصقاع العالم، ونشروه بين بقية الأمم والبلدان، من حدود الصين إلى تخوم فرنسا وجنوب اوروبا وأنحاء افريقيا والمحيط الهادئ، وبذلوا من أجل ذلك الدماء والأموال والجهود. فمن الطبيعي أن يتشرفوا بنزول القرآن بلغتهم فيفهموه ويؤمنوا به وينصروا النبي المرسل به (بعد أن قاومه بعضهم، ثم قُتِلوا او أسلموا) وأبلغوه لباقي الناس.

 

ومعظم العلماء يرون أنه ليست في القرآن الكريم كلمات غير عربية باستثناء أسماء الأعلام، بيد أن علماء آخرين يعتقدون أن القرآن كله عربي وفيه أيضاً ألفاظ معرّبة هي في أصلها كانت مضافة الى المفردات العربية، وقد استخدمها العرب واعتادوا عليها وعدلوها وصارت تجري مجرى الكلام العربي على ألسنتهم، وغدت من نسيج لغتهم.

 

ولا جرم إذا وجدنا الامام الشافعي يقول بعدم وجود الفاظ غير عربية، لأن العدد القليل من الكلمات التي قيل انها غير عربية هي كلمات معروفة عند العرب كمفردات عربية، وكانوا يستخدمونها بشكل يومي وطبيعي، وعندما تضمّنَها النص القرآني لم يستغرب منها أحد، ولم يقل للنبي ص امرؤ (ما هذا الكلام الأعجمي؟) بل أذعنوا بجمال لغة القرآن ودقة مفرداته وجمالها وبلاغتها، فهي مفردات قديمة مأنوسة ومعروفة ومفهومة وسارية في الشعر والأدب.

 

ويرى علماء ومفسرون آخرون أن ثمة مفردات من بلدان أخرى راجت عند العرب، ولكن كان العرب يستخدمونها ككلماتهم العربية. وهي مسميات لأشياء وأشخاص من بلدان مجاورة ولكن الفرد العربي عرفها وتقبلها وتكلم بها وخاطب بها أهله وصارت من نسيج اللغة اليومية عند العرب، وحتى لو تضمنها بعض الآيات القليلة العدد فإنها لا تخل بعروبة النص القرآني مطلقا، من قبيل [استبرق وسندس وأباريق وإنجيل وزنجبيل وعرجون وطاغوت وفرعون وعدن وماعون ومشكات وأرائك وتسنيم وسِجّين، وأسماء الأنبياء كلوط ونوح وإسرائيل وجبريل و…] وهي لا تخلّ بعروبة القرآن بتاتاً، وهذا شيء طبيعي جدا وليست نقطة ضعف في أي لغة، فنحن نجد اليوم اللغات الاوردية والفارسية والإسبانية والانجليزية والروسية والهندية وغيرها، تتضمن كلمات عربية كثيرة انتقلت إلى اللغات المذكورة ولم تتحسس منها شعوب تلك البلدان. فلا توجد لغة مستقلة تماماً وخالية بشكل كامل من مفردات بقية اللغات، لأن اللغة كائن حي ويتطور مع تطور الزمن.

 

وهناك إحصائية بعدد كلمات اللغة العربية وهي 12.302.912 كلمة دون تكرار، وهي تبلغ 25 ضعفا لعدد الكلمات الانجليزية التي تتكون من 600.000 كلمة (ويكيبيديا).

 

ويبلغ عدد كلمات القرآن الكريم (77.431) فيما لا يتجاوز عدد الكلمات التي يظنون أنها من لغات أخرى بضع عشرات في أكثر التقديرات.

 

فهل تعجز العربية عن الإتيان ببضع كلمات لكي يخلو القرآن من أي كلمة من لغة أخرى؟

 

الجواب: لا طبعاً، لكن حكمة الله اقتضت استخدامها ومن الطبيعي أن يتضمن القرآن كلمات نادرة وقليلة جداً ومستخدمة على لسان العرب كأنها جزء من لغتهم، ولا أرى ضيراً من وجودها، مادامت مشيئة الله قد اقتضت ذلك.

 

الخلاصة:

إن الطبري والسيوطي والشافعي وأبا عبيدة معمر بن مثنى وابن فارس اللغوي والقاضي أبا بكر الباقلاني والزركشي يعتقدون بعدم وجود كلمات أجنبية ودخيلة في القرآن.

 

للمزيد أنظر:

■ تفسير القرطبي [ج1/ ص68،69]

■ الاتقان للسيوطى

■ البرهان للزركشى

■ قاموس المعاني.

 

بقلم: د. رعد هادي جبارة

الأمين العام للمجمع القرآني الدولي

 

المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد