﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [البقرة- الآية 121]
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يفعل ذلك؛ حيث ورد عن حذيفة بن اليمان أنّه قال: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه “وآله” وسلَّمَ كان إذا مَرَّ بآيةِ خَوفٍ تَعوَّذَ، وإذا مَرَّ بآيةِ رَحْمةٍ سَأَلَ، وإذا مرَّ بآيةٍ فيها تَنزيهُ اللهِ سبَّحَ.) [مسند أحمد]
وورد عن الحسن أنّه قال عمّن يقرأون القرآن حق تلاوته: “هُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمُحْكَمِهِ، وَيُؤْمِنُونَ بِمُتَشَابِهِهِ، وَيَكِلُونَ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ إِلَى عَالِمِهِ”.
وقيل: يقرءونه حق قراءته.
قلت: وهذا فيه بُعد، إلا أن يكون المعنى: يرتلون ألفاظه، ويفهمون معانيه، فإن بفهم المعاني يكون الاتّباع لمن وُفِّق. [انظر: تفسير القرطبي]
ومن الآيات التي تدلّ على فَضْل قراءة القرآن الكريم أيضاً قَوْل الله تعالى:
﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً﴾ [الإسراء- 45]
وقد فسّر القشيريّ الآية بحِفظ الله -تعالى- لقارئ القرآن الكريم في الدنيا والآخرة، وتولّيه؛ بمنع الأيادي الخاطئة من الوصول إليه.
فقد أخْرَجَ أبُو يَعْلى، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، وأبُو نُعَيْمٍ، والبيهقي معا في الدلائل عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما نزلت “تبت يدا أبي لهب” أقبلت العوراء أم جميل أروى ولها ولولة وفي يدها فهر ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس وأبوبكر إلى جنبه فقال أبوبكر: لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك. فقال ص: (إنها لن تراني) وقرأ قرآنا اعتصم به، كما قال تعالى: ﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً﴾ فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم تر النبي صلى الله عليه وآله وسلم… [الدر المنثور للسيوطي، والميزان للطباطبائي: ج١٣ ص١٢٤]
وقد تحدّث مجموعة من المفسّرين مثل الطبرسي في «مجمع البيان» والفخر الرازي في «التّفسير الكبير» وآخرون، في شأن نزول هذه الآيات، فقالوا: إنّها نزلت في مجموعة من المشركين كانوا يؤذون النّبي صلّي اللّه عليه وآله وسلّم بالليل إذا تلا القرآن وصلّي عند الكعبة، وكانوا يرمونه بالحجارة ويمنعونه عن دعوة الناس إلي الدين، فحال اللّه سبحانه بينه وبينهم حتى لا يؤذوه. وقد احتمل الطبرسي أن يكون اللّه منع المشركين عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله وسلّم عن طريق إلقاء الخوف والرعب في قلوبهم [أنظر: مجمع البيان ج٣ص٤١٨].
أمّا الرازي فيقول في ذلك: «إنّ هذه الآية نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله وسلّم إذا قرأ القرآن على الناس. إذ روي أنّه عليه الصلاة والسّلام كان كلّما قرأ القرآن قام عن يمينه رجلان وعن يساره آخران من ولد قصي يصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار». [الأمثل: مكارم الشيرازي]
ومن فضائل قراءة القرآن الكريم نَيْل ما وعد الله -تعالى- به عباده من الأجر والثواب ونعيم الجنّة، لقَوْله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ويَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)﴾ [سورة فاطر]
وقد فسّر البغويّ الآية الكريمة بأنّ قارئ القرآن الكريم يرجو تجارةً لن تفسد، وهي وعدٌ من الله -تعالى- له بالأجر والثواب، وذهب ابن عباس -ره- إلى أنّ الزيادة في الفَضْل تعني: “سِوَى الثَّوَابِ مِمَّا لَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ”.
وقد ورد فَضْل قراءة القرآن والأدلّة عليه في الأحاديث النبويّة التي تُبيّن عِظَم فَضْل قراءة القرآن الكريم، ويُمكن بيان بعضها فيما يأتي:
فقد ثبت أنّ الله -تعالى- يُضاعف أجر قارئ القرآن الكريم؛ لما ورد عن عبدالله بن مسعود عن رسول الله -ص- أنّه قال: “مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِنْ (ألِفٌ) حرفٌ و(لامٌ) حرفٌ و(ميمٌ) حرفٌ”. [بهجة الناظرين شرح رياض الصالحين؛ لسليم الهلالي، وكذلك سنن الترمذي].
وقارئ القرآن ينال مرتبة السَّفرة الكرام البَرَرة [صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 798] .
ومن الأحاديث النبويّة الشريفة التي تدلّ على ذلك ما ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجرانِ). [شرح أصول الكافي – المولى محمد صالح المازندراني ج ١١ص٢٤].
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لنكون من قرّاء كتاب الله كما هو حقه، وأن ينفعنا في الدنيا والآخرة بتطبيق تعاليمه واجتناب نواهيه، كي ننال شفاعته يوم القيامة، وما ذلك على الله بعزيز.
د. رعد هادي جبارة
الأمين العام للمجمع القرآني الدولي
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.