خصوصية المفردة القرآنية ومقاييس العظمة (10)

0
7

 

ومن الصحيح ما يقوله الأصبهاني في “الحجة في بيان المحجة”:

 

[ومن أسمائه تعالى “العظيم” والعظمة صفة من صفات الله، لا يقوم لها خلق، والله تعالى خلق بين الخلق عظمة يعظّم بها بعضهم بعضا، فمن الناس من يعظّم لمال، ومنهم من يعظّم لفضل، ومنهم من يعظّم لعلم، ومنهم من يعظم لسلطان، ومنهم من يعظّم لجاه، وكل واحد من الخلق إنما يعظّم لمعنى دون معنى، والله عز وجل يعظّم في الأحوال كلها، فينبغي لمن عرف حق عظمة الله أن لا يتكلم بكلمة يكرهها الله، ولا يرتكب معصية لا يرضاها الله، إذ هو القائم على كل نفس بما كسبت].

 

بيد أن عظمة الله لا تمنع من وجود عظيم آخر غيره ولكن أقل شأناً منه جل جلاله، ولكن تبقى العظمة الحقيقية لله جلت عظمته. وعليه فمن باب أولى يمكن وصف المرتبطين بالله عز وجل كالأنبياء والأوصياء والأولياء بالعظمة، ويمكننا – استناداً لكتاب الله – أن ننسف كل ادعاء يحاول الاعتراض على ذلك.

 

فنحن يمكننا وصف أشياء عديدة بصفة عظيم مثلما أن الله هو الكريم ولكن من الناس من يوصف ب [الكريم]، حيث نجد القرآن نفسه يصف خلق النبي ص بقوله:

﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم4]

 

مثلما يقول القرآن عن المولى تبارك وتعالى وهو رب الرسول في آية الكرسي ﴿وهُوَ العَليّ العَظِيم﴾.

 

وينقل القرآن قول الناس المعاصرين للنبي ص واستغرابهم من نزول الوحي على شخص يتيم ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف31]

 

ويقول تبارك وتعالى عن الفداء الذي أنزل على خليل الله إبراهيم ع عندما همّ بذبح ولده وفلذة كبده النبي إسماعيل [اب العرب]:

 

﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ

 

ولم يكن هذا الذبح العظيم سوى كبش أو خروف عند معظم المفسرين، ولكن في بعض الروايات نجده أنه الإمام الحسين ع [راجع عيون أخبار الرضا (ع) وتفسير نور الثقلين للحويزي].

 

أكثر من هذا؛ ألم تسمع أن الله تعالى يقول:

 

﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب71]

 

يقول البعض: إن وصف الفوز المتحقق من طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ب العظيم إشارة واضحة الى أن العظمة يمكن أن تكون لكل ما يرتبط بطاعة الله العظيم ورسوله الكريم، أي أن العظمة يمكن أن تُنسَب لغير الله ولكن بشرط أن يكون ذلك مرتبطاً ارتباطاً حقيقياً بالله العظيم، فالفوز أصبح عظيماً نظرا لكونه مرتبطا بالله ورسوله، فلو كان الفوز مرتبطاً بنصر عسكري دنيوي لما كان عظيماً.

 

ولماذا نذهب بعيداً، فقد وصف الباري عز وجل كتابه بالعظيم:

 

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر: 87]

 

وفي موضع آخر وصف كيد النساء بالعظيم فقال عز من قائل ﴿فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ [يوسف28]

 

كما وصف الله الشرك بانه ظلم عظيم ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان13]

 

بل وصف بعض أنماط الإثم من القول بأنه عظيم ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور 15]

 

ختاما:

 

وُصِف الفضل بالعظيم ٨ مرات في القرآن ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم﴾.

 

ووصف العذاب الالهي بأنه عظيم فقال:

 

﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [البقرة7]

 

ووصف يوم القيامة بأنه يوم عظيم فقال:

 

﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأنعام 15]

 

ووصف سِحر سَحَرَة فرعون بالقول:

 

﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيْمٍ﴾ [الأعراف116].

 

والخلاصة:

 

ذكرت كلمة عظيم في القرآن الكريم في: 107 آيات

 

إذن؛

 

﴿فَاعتَبرُوا يا أُولِي الأَبصَارِ﴾.

 

بقلم: د. رعد هادي جبارة

الأمين العام للمجمع القرآني الدولي

 

المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد