قبل البدء في المقصود أود ذكر ما قاله ضرار بن ضمرة الكناني في حق امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) , حين أرغمه معاوية على ان يقول عن امير المؤمنين(ع) ما يرى , فأجاد وأفاد ووضح عظم مقام امير المؤمنين علي (ع) فعدّد وأشاد قائلا : ” كان و الله بعيد المدى ، شديد القوى يقول فصلا ، و يحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه ، و تنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا ، و زهرتها ، و يأنس بالليل ووحشته ، و كان غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب ، و كان فينا كأحدنا ، يدنينا إذا أتيناه ، ويجيبنا إذا سألناه ، و نحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا ، لا نكاد نكلمه هيبة له ، يعظم أهل الدين ، و يقرب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، و لا ييأس الضعيف من عدله “, فهذا غيض من فيض فضائله عليه السلام , التي لو جمعت لكانت طوامير ودواوين .. وحسبك منها في هذه العجالة المستطردة ما سأتلوه عليك من أحاديث نطق بها الصادق الامين (صلوات الله وسلامه عليه وعلى اهل بيته) فألقى بها في الأسماع لسانه , وسطرتها في الصحائف أقلام أصحابه , مبدياً فيها محبته لعليّ عليه السلام ومبيّناً مكانته وعظم منزلته , فوصلت الى حدّ ملئت الأصقاع والأسماع وتمهّدت في الطباع .
فارتأيت ان اترك الارتجال في المقال , وأتخلى عن موقف الكلام في الاسترسال بشأن هذه المحبّة والعلاقة الروحية النبوية العلوية , لسيد البشرية على الاطلاق , ومنقذها من الرق والعبودية , ومخرجها من الظلمة الى النور , خاتم الانبياء والمرسلين محمد(صلى الله عليه واله وسلم) ؛ ليعبر عن جليل قدر الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) ، وعظم مكانته بما ورد عنه (صلى الله عليه واله وسلم) من أحاديث متواترة وآحاد صكت مسامع الخافقين , منها :
قوله صلى الله عليه وآله يوم خيبر: ” لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، كرارا غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ” , فأعطاها من بين أمته جميعا علياً عليه السلام ، فاقتضى ذلك محبته لله تعالى ورسوله (صلى الله عليه واله وسلم) ومحبتهما له , وما ورد خبر وما جاء اثر بأن النبي(صلى الله عليه واله وسلم) وصف احدا بهذا الوصف غيره عليه السلام ..
وجاء عنه (صلى الله عليه واله وسلم) متواترا بأن عليا عليه السلام احب الخلق الى الله في حديث عُرف بحديث الطائر المشوي , قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) : ” اللّهمَّ ائتني بأحبّ الخلق إليك ليأكل معي هذا الطير , فحضر عليّ ثلاثاً وأنس يردّه ، بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حاجة , فصاح النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قائلاً : أدخل يا علي , فلمّا دخل قال : ما أبطأك يا عليّ ؟ قال : هذه ثالثة يردّني أنّ رسول الله في حاجة , فقال : ما حملك على ما فعلت يا أنس؟ قال : سمعت دعاءك فأحببت أن يحضر رجل من الأنصار”!!
وقد افصح (صلى الله عليه وآله وسلم) كل الافصاح عن محبته لعلي (عليه السلام) ، بقوله : ” لحمه لحمي ودمه دمي، هو مني وأنا منه من أحبه أحبني ومن أبغضه أبغضني ومن أطاعه أطاعني ، أحب خلق الله لله ورسوله وأحبهم لله ولرسوله ” .
ولكن ماذا نقول في اناس ركبوا بهيمة البهتان, وجروا في ميدان الهذيان, فخاضوا بالباطل واصروا على العصيان, فجال بهم الشيطان وتمادوا في الغي والطغيان, وجعلوا شتم امام الانس والجان على المنابر يعلوا لحقبة من الزمان, فهاك ما كتبته ام المؤمنين ام سلمة الى معاوية ابن ابي سفيان ؛ ليكون لك شاهدا على ما اقول وللعيان: روي عن ام سلمة زوج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) انها كتبت إلى معاوية : ” إنّكم تلعنون الله ورسوله على منابركم ، وذلك أنّكم تلعنون عليّ ابن أبي طالب ، ومَن أحبّه ، وأنا اُشهد الله أنّ الله أحبّه ، ورسوله ، فلم يلتفت إلى كلامها ” , ومجرد عدم التفاته لما كتبته ام المؤمنين ام سلمة , يتبادر الى ذهن الناس على اختلاف عقولهم وافهامهم , حديث رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الذي تواتر عنه , انه قال : لمّا اقبل أبو سفيان ومعه معاوية : ” اللهم اللعن التابع والمتبوع ” , وفي آخر : ” اللهم اللعن القائد والسائق والراكب”, وكان يزيد بن أبي سفيان منهم.
وجاهروا بعداوته وقد قال فيه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : “عادى الله من عادى علياً” واستمروا على بغضه وقد جعل النبي(صلى الله عليه واله وسلم) بغضه امارة النفاق , حيث قال : “لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن” , وفي رواية ينتهي سندها الى ابن عباس انه قال : ” نظر النبي(صلى الله عليه واله وسلم) الى علي عليه السلام فقال : يا علي انت سيد في الدنيا وسيد في الاخرة , حبيبك حبيبي , وحبيبي حبيب الله , وعدوّك عدوّي , وعدوّي عدوّ الله , والويل لمن ابغضك بعدي” , فهو حبيب رسول اله العالمين بل حبيبهما , وتشهد لهذه المحبة عائشة حيث روي عنها انها قالت : ” ما خلق الله خلقاً كان أحبّ إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من عليّ بن أبي طالب ” , وقد علّق الحافظ الكنجي بعد هذا الحديث , قال : “هذا حديث حسن رواه ابن جرير في مناقبه وأخرجه ابن عساكر في ترجمته ” ..
إذن , عليّ(عليه السلام) هو الفرد الكامل بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو المحبوب عند الله ورسوله , وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم :{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } , فكان عليه السلام اول المتبعين والمطيعين لله ورسوله .. فتدبروا يا اولي الالباب في احاديث السنة وآيات الكتاب واعرفوا الحق لأهله ..
فالسلام على امير المؤمنين يوم ولد فكانت الكعبة مهده , والسلام عليه يوم خضبت لحيته من دم راسه …
الكاتب / السيد مهدي الجابري
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.