عبد الله بن الزبير حمامة الحرم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
هل صحيح أنَّ ابن الزبير كان يُسمّى حمامة الحرم، واذا صحَّ ذلك فهل لأنَّه كان كثير الصلاة؟
وما معنى قول أمير المؤمنين (ع) فيه: “خبٌّ ضب، يروم أمراً ولا يُدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا، وهو بعدُ مصلوب قريش”؟
الجواب:
وصفه بعضُ من ترجمَ له أنَّه كان كثير الصلاة كثير الصيام، وذكر أنَّه كان يُسمَّى “حمامة الحرم”، ومنشأ ذلك أنَّه جاور مكة الشريفة لاجئاً بعد امتناعه من مبايعة يزيد بن معاوية، وبعد أن حاصر جيشُ يزيد مكة المكرمة بُغيةَ قتل عبدالله بن الزبير احتمى بالمسجد الحرام وظلَّ ملازماً له، فما لبث أنْ بلغَ جيشَ يزيد أنَّ يزيد بن معاوية قد هلك فعاد الجيش قافلاً إلى الشام بعد أن ضرب الكعبة بالمنجنيق وأحرق طرفاً منها.
وحينذاك نصب ابنُ الزبير نفسه خليفةً للمسلمين فاستولى على عموم الحجاز ثم العراق واليمن إلى أن تمكَّن عبد الملك بن مروان من قتله بواسطة الحجاج بن يوسف الثقفي الذي حاصر هو أيضاً مكة الشريفة وضربها بالمنجنيق وهدم جرَّاء ذلك أطرافاً من البيت المعظَّم، واستمرَّ الحصار قرابة السنة، وحينها كان عبدالله بن الزبير محتمياً بالمسجد الحرام ملازماً في أكثر أوقاته له، لذلك سمَّاه بعضهم بحمامة الحرم.
وأمَّا معنى القول المأثور عن عليٍّ أمير المؤمنين (ع) في عبدالله بن الزبير: “خبٌّ ضب، يروم أمراً ولا يُدركه، ينصب حبالةَ الدين لاصطياد الدنيا، وهو بعدُ مصلوبُ قريش”(1)
فالخب وصفٌ يُطلق على الرجل المخادع الذي يُفسد الناس بالخداع والمرواغة.
والضب هو الحقد والضغينة، وإذا وُصف الرجل بالضب فمعنا اَّنه حقود شديد الضغينة والعداء.
وأمَّا أنَّه “يروم أمراً لا يُدركه” فهو بمعنى أنَّه يطمح في أمرٍ لا يصل إليه، والمراد من الأمر الذي كان يتأمَّله ويطمح إليه هو الخلافه، وقد أخبر الامام (ع) أنَّه لا يصل إلى هذا المطمح، وهذا ما كان قد وقع، فقد سعى للخلافة سعياً حثيثاً إلا أنَّه حُوصر أولاً في أيام يزيد بن معاوية، وبعد هلاك يزيد نصب نفسه خليفةً على المسلمين إلا انَّ ذلك لم يتم، فبعد أن قتل الامويُّون عامله على العراق مصعب بن الزبير توجَّهوا إلى الحجاز فحاصره الحجَّاج في مكة الشريفة ثم لمَّا ظفر به قتله وصلبه سنة ثلاثة وسبعين للهجرة، وهذا هو معنى قول الامام (ع) “وهو بعدُ مصلوب قريش”.
وأمَّا معنى قوله (ع): “ينصب حِبالةَ الدين لاصطياد الدنيا” فهو أنَّه كان يُظهِر التنسُّك والعبادة من أجل أن يستهوي أفئدة الناس ليقبلوا به خليفةً عليهم.
وقد كان ابنُ الزبير شديد العداء لأهل البيت (ع) فكان ممَّن يُحرِّض على الإمام عليٍّ (ع) أيام خلافته، فكان فيمَن قاد جيش البصرة مع طلحة والزبير والسيدة عائشة فحارب عليَّاً (ع) يوم الجمل وأُصيب حينذاك بجرحاتٍ كثيرة ولم يُقتل.
ويُروى عن عليٍّ (ع) أنَّه قال: ” ما زال الزبير منَّا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبدالله فأفسده”(2) أي أنَّه كان أبوه الزبير مناصراً لأهل البيت (ع) حتى نشأ ابنه عبدالله فأفسد عليه رأيه بسبب إغرائه وتحريضه.
وروى عمر بن شبه وابن الكلبي والواقدي وغيرهم من رواة السير أنَّ عبدالله بن الزبير مكث أيام إدعائه الخلافة أربعين جمعة لا يُصلِّي فيها على النبيِّ (ص) وقال: “لا يمنعني مِن ذكره إلا أنْ تشمخ رجال بأنافها”(3).
وفي رواية محمد بن حبيب وأبى عبيدة معمر بن المثنى أنَّه قال مبرِّراً عدم صلاته على النبيِّ (ص) في خطبة الجمعة: “أن له أُهيل سوء ينغضون رؤوسهم عند ذكره”(4).
فهو لا يُصلَّي على النبي (ص) حتى لا يفتخر -بحسب زعمه- أهلُ البيت (ع) بذلك، ويُعبَّر عن أهل البيت (ع) بانَّهم اُهيل سوء وقد أذهب اللهُ عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا”.
وروى سعيد بن جبير أنَّ عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن عباس: “إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة”(5). وذكر ابنُ أبي الحديد أنَّ أبن الزبير كان يبغض عليَّاً(ع) وينتقصه وينالُ من عرضه(6).
وروى عمر بن شبة أيضا عن سعيد بن جبير قال: خطب عبد الله بن الزبير فنال من عليٍّ (ع) فبلغ ذلك محمد بن الحنفية، فجاء إليه وهو يخطب فوُضع له كرسي فقطع عليه خطبته وقال: يا معشر العرب شاهت الوجوه أينُتقص عليٌّ وأنتم حضور إنَّ عليَّا كان يد الله على أعداء الله وصاعقة من أمره .. أما إنَّه قد تخطت المنية منكم من امتد عمره وسمع قول رسول الله (ص) فيه: “لا يُحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق” وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”(7).
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.