فصول من السيرة العلوية | مركز الهدى للدراسات الإسلامية

0
12







فصول من السيرة العلوية

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد

1- الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب وهو الإمام الأول من أئمة أهل البيت (ع) كما نص على ذلك القرآن الكريم والسنة الشريفة.

2- وُلد (ع) في اليوم الثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة وكانت ولادته في مكة المكرمة في البيت الحرام وسط الكعبة الشريفة، وهي منقبةٌ لم تكن لأحد قبله ولم تتفق لأحدٍ بعده، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف فهو هاشميُّ الأب والأم وكان أول من وُلد من هاشميين.

3- تولَّى رسول الله (ص) تربيته بنفسه كما نص على ذلك التاريخ والروايات المتواترة وكان (ع) يفتخر بذلك، وأفاد في بعض المواطن “وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ويُمُّسني جسده ويُشمني عرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل. ولقد كنت اتبعه إتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علمًا ويأمرني بالإقتداء به. ولم يجمع بيت واحد يؤمئذٍ في الإسلام غير رسول الله (ص) وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة وأشمُّ ريح النبوة”([1]).

4- بعث رسول الله (ص) بالنبوة بعد عام الفيل بأربعين سنة وآمن به علي من فوره وصلّى معه ولذلك كان رسول الله (ص) يقول: “أنت أول من آمن بي وأنت أول من يصافحني يوم القيامة وأنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق تفرق بين الحق والباطل”([2]).

وعن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله (ص): “لقد صلَّت الملائكة عليَّ وعلى عليٍّ سبع سنين وذلك أنه لم يصلَّ معي رجل غيره”([3]) والروايات في ذلك تفوق حد الاستفاضة من الفريقين.

5- لما أنّ كلف الله رسوله (ص) إنذار عشيرته الأقربين كان علي معه وكان هو أول من أعلن المؤازرة لرسول الله (ص) فكان حديث الدار المشهور بين الفريقين. حيثُ أفاد حينذاك رسول الله (ص) “فأيكم يؤازرني على هذه الأمر على أن يكون أخي ووصيِّ وخليفتي من بعدي” فحين أعلن عليٌّ عن استعداده لمؤازرته قال رسول الله (ص) “إن هذا أخي ووصيِّ وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا”([4]).

6- ظلَّ علي (ع) يؤازر رسول الله (ص) ويُساهم في حياطته من أذى قريش وكان ملازمًا له في كل موقع من مواقع الدعوة وكان يذهب معه إلى غار حراء، وحين يخلد رسول الله (ص) للراحة كان علي (ع) معه في داره.

7- وحين حُوصر رسول الله (ص) في شعب أبي طالب ومنعوا عنه وعن عشيرته الماء والطعام ثلاث سنين كان علي (ع) معه، وكان أبو طالب يأمر عليًا أن ينام على فراش رسول الله (ص) إيهامًا لقريش لئلا يطيش سهم منهم فيصيب رسول الله (ص).

8- وحين تُوفيت خديجة وأبو طالب عليهما السلام هاجر رسول الله (ص) إلى الطائف وكان عليٌ (ع) برفقته يحضر معه مجالس العرب ويتكبَّد معه عناء القسوة والسخرية وصنوف الإهانة والإيذاء من قبل عرب الطائف.

9- بعدئذٍ كان الإسلام قد بدأ في الانتشار واسقط في أيدي قريش حيث لم يتمكنوا من وأده أو محاصرته فكان رسول الله (ص) يلتقي وفود العرب ويدعوهم إلى الإسلام ويتلو عليهم القرآن، وفي تلك المرحلة وقعت بيعة العقبة الأولى والثانية وكان عليٌّ والحمزة وجمع من بني هاشم يحولون دون وصول قريش ويؤكدون على عرب يثرب العهود والمواثيق بأن ينصروا رسول الله (ص) ويعزِّروه ويوقِّروه.

10- وحين ذاع أمرُ رسول الله ودعوته في يثرب واقتضى رأي قريش تصفية رسول الله (ص) هاجر إلى يثرب وحينها عهد إلى علي أن يبيت على فراشه إيهامًا لقريش وأخبره أن ذلك بأمرِ من الله عز وجل فقال علي (ع) “أوتسلمنَّ بمبيتي هناك يا نبي الله؟ قال: نعم، فتبسم عليٌّ (ع) ضاحكًا، وأهوى إلى الأرض ساجدًا، ثم قال (ع): امضي فداك سمعي وبصري وسويدا قلبي ومرني بما شئت”([5]) فقال رسول الله (ص) وما صبرك على ذلك فقال (ع) أن ذاك ليس من مواطن الصبر وإنما هو من مواطن البُشرى. ثم ضمه النبي (ص) إلى صدره وبكى وجدًا عليه وحينئذٍ باهى الله عز وجلَّ بعليٍ ملائكته، فما عرف التاريخ إيثارًا بحجم هذا الإيثار. ونزل جبرئيل على قلب رسول الله (ص) بهذه الآية ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ﴾([6]).

11- ثم أن عليًا ذهب خلسة إلى غار ثور في الليلة الثانية ومعه ضرار بن أبي هاله، وحين اطمئن عليه وزوده بالطعام والشراب عاد إلى مكة ليرد ودائع رسول الله (ص) إلى الناس.

12- وحين أنفذ عليٌ (ع) وصايا رسول الله وردَّ ودائعه أّزمع الرحيل وحمل معه الفواطم (فاطمة بن رسول الله (ص)، فاطمة بن أسد، فاطمة بن الزبير) ولحق به بعض المستضعفين من المؤمنين، وحين أدركه بعض رجالات قريش وحاولوا منعه من الرحيل قال (ع) لهم بعد مناوشاتٍ كانت بينه وبينهم “من سرَّه أن أفري لحمه وأُهريق دمه فليتبعني أو فليدن مني”([7]).

13- روى الكافي أن رسول الله (ص) بلغ المدينة لاثني عشر خلون من شهر ربيع الأول فنزل بقُبا وأقام هناك بضعهَ عشر يومًا ينتظر عليًا وقد استحثه المسلون وأبو بكر على النزول إلى المدينة إلا انه كان يأبى عليهم ويقول “ولست أُريم حتى يقدم ابنُ عمي وأخي في الله عز وجل وأحب أهل بيتي إليَّ فقد وقاني بنفسه من المشركين”([8]). فانطلق أبو بكر وحده إلى المدينة وبقي رسول الله (ص) بأرض “قُبا” منتظرًا لعلي (ع) وحين وصل علي (ع) ومعه الفواطم رحل معه إلى المدينة وبنى هناك مسجده الشريف.

14- بعد أن بنى رسول الله (ص) مسجده الشريف ومضى زمن يقرب من الخمسة أشهر أو السبعة أشهر آخى بين أصحابه واصطفى من بين أصحابه عليًا فجعله أخًا له وقد تواترت الأخبار في ذلك، منها ما رواه أبو هريرة أن رسول الله (ص) أخذ بيد علي (ع) وقال: “هذا أخي”([9]) وفي خبر آخر قال أنت أخي في الدنيا والآخرة([10])، فكان رسول الله (ص) وعلي أخوين.

15- زوّج رسول الله (ص) عليًا من فاطمة (ع) في أوائل الهجرة واختلف المؤرخون في تحديد ذلك الزمن فبين من يقول أن ذلك وقع بعد شهرين من الهجرة، وذكر الكليني أن ذلك وقع بعد سنة من الهجرة([11]) وبعضهم ذكر زمنًا آخر، هذا وقد كان قد تقدم لخطبة فاطمة (ع) جمع من الصحابة إلا أن رسول الله (ص) كان يأبى عليهم ثم لمَّا زوجها علي (ع) عاتبوه فأجاب (ص) “ما أنا زوجتها ولكنَّ الله تعالى زوجه”([12]).

وقد روى انس بن مالك أن النبي (ص) قال لعلي (ع) هذا جبرئيل أخبرني أنَّ الله زوّجك فاطمة وأشهد على تزوجيها أربعين ألف ملك”([13]) رواه السيوطي في تذكرة الخواص.

وقعت غزوة بدر الصغرى بعد ثلاثة عشر شهرًا من الهجرة وكان علي بن أبي طالب يحمل لواء رسول الله (ص)، وبعدها وقعت غزوة ذي العشيرة ولم يكن فيها قتال وفي هذه الواقعة لقّب رسول الله (ص) عليًا بأبي تراب حين وجده وعمارًا نائمين على ترابٍ لين وقد تتَّربا به فجاءهما رسول الله (ص) وقال لعلي “مالك يا أبا تراب”.

ثم قال (ص): “إلا أحدثكما بأشقى الناس رجلين”، قلنا: “بلى يا رسول الله”، ثم قال (ص): “أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه ووضع يده على مقِّدم رأسه حتى يبلَّ منها هذه وأشار إلى لحيته”([14]).

16- في السنة الثانية من الهجرة وبالتحديد في شهر رمضان المبارك في السابع عشر منه بعد ستَّة عشر شهرًا من الهجرة وقعت غزوة بدر الكبرى والتي كانت منطلق الانتصارات الإسلاميَّة، وقد كان علّي بن أبي طالب (ع) هو الرجل الأول في هذه المعركة فقد نصَّت أكثر الروايات أنَّ عليًّا (ع) قتل النصف من قتلى المشركين واشترك مع المسلمين في الباقي. وكان فيمن قتلهم أصحاب الألوية وأعيان قريش وفرسانهم أمثال أبي جهل وحنظلة بن أبي سفيان والعاص بن سعيد.

روى الطبري أنَّ علي بن أبي طالب (ع) لمَّا قتل أصحاب الألوية فيأحد كان كلَّما تكتَّل جماعة من مشركي قريش يقول له النَّبي (ص): “احمل عليهم” فيحمل عليهم ويقتل منهم فنزل جبرئيل (ع) على النبيِّ (ص) وقال له: “إنَّ هذه المواساة يا رسول الله” فقال له رسول الله (ص): “إنَّه منِّي وأنا منه” فقال له جبرئيل (ع): “وأنا منكما” وسمعوا صوتًا يقول: “لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي”([15]).

17- وفي شوَّال في السنة الثالثة من الهجرة وقعت غزوة أحد وكان النَّصر في بداية الأمر للمسلمين بعد أن قتل عليٌّ أصحاب الألوية وهم بنو عبد الدار وكانوا تسعة من أشدِّ قريشٍ بأسًا ثمَّ لمَّا التحم الجيشان كان علي فارس المعركة، فكان لا يتقدَّم إليه أحد إلا بعجه أو ضربه على رأسه بسيفه وحينئذٍ انهزموا فكان النَّصر للمسلمين، وحين نزل الرماة لجمع الغنائم مع المسلمين استثمر المشركون هذه الفرصة فلملموا شملهم وكرُّوا على المسلمين على حين غفلة منهم وعندئذٍ انهزم المسلمون إلا القليل ممن ثبت وقُتِل أمثالُ الحمزة وأبو دجانة، وكان عليّ (ع) ممن ثَبُت، وكان همُّه الذبَّ عن رسول الله (ص) حتَّى أُثخن بالجراح، وقد ذكر المؤرخون أنَّ رسول الله (ص) كان يقول لعليٍّ -حين تقصده كتيبة من المشركين-: “اكفني هؤلاء”([16]) فينقضُّ عليهم كالصقر فينهزموا فإذا ما قصدته كتيبة أخرى تصدَّى لها عليٌّ (ع) حتى إذا ما يئسوا من الوصول إلى النبيِّ (ص) انهزموا. وهنا وردت الكثير من الروايات أنَّ جبرئيل نادى في السماء بصوت يسمعه من في المعركة “لا فتى إلا عليّ ولا سيف إلا ذو الفقار”([17]).

18- ثم حدثت وقائع بين السنة الثالثة والخامسة من الهجرة كان علي (ع) هو فارسها كما يشهد لذلك التاريخ، وفي السنة الخامسة وقعت غزوة الأحزاب حيث تآزر مشركوا العرب واليهود فخندق المسلمون أطراف المدينة فلم تفلح العرب في اقتحامه إلا أنَّ ثلاثة من المشركين تمكَّنوا من اقتحامه وكان على رأسهم عمرو بن ودّ، وكان فارسًا معروفًا بالبأس والقوَّة فبرز إليه عليٌّ (ع) بعد أن نكل أكثر المسلمين عن مبارزته فقتله علي (ع) فذبَّ الرعب في قلوب المشركين واليهود وانهزموا، ولذلك ورد أنَّ الله كفى المؤمنين القتال بعليٍّ (ع) وورد في مستدرك الصحيحين عن سفيان الثوري أنَّ النبيَّ (ص) قال: “لَمبارزة عليٍّ يوم الخندق أفضل من أعمال أُمَّتي إلى يوم القيامة”([18]).

19- في السنة السادسة من الهجرة في مطلع ذي القعدة عزم الرسول (ص) على العمرة فأبت قريش على النبي دخوله مكة وحينئذٍ وقع صلح الحديبية وكان علي (ع) هو من كتب عقد الصلح، وحين أبت قريش أن يُوصف النبي (ص) في عقد الصلح برسول الله (ص) تثاقل علي (ع) عن محو هذا الوصف فقال له رسول الله (ص) كما في خصائص نص النسائي: (أما أنَّ لك مثلها ستأتيها وأنت مضطر)([19]).

وفي هذا الموضع خاطب رسول الله (ص) قريشًا قائلاً: “يا معشر قريش لَتَنتهُنَّ أو لَيَبعثَنَّ الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف قد امتحن الله قلبه بالإيمان”، فقال أبو بكر وعمر من هو ذاك الرجل فقال (ص): “خاصف النعل”([20]) -يعنى عليًا-.

20- وبعد صلح الحديبية والاطمئنان من جانب قريش توجه الرسول (ص) إلى يهود خيبر وبعد أن استعصى على المسلمين فتح حصون خيبر المنيعة قال رسول الله (ص): “والله لأعطين الراية غدًا رجلاً يُحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله كرَّار غير فرَّار يفتح الله على يديه”([21]) فتطاولت لذلك الأعناق وفي غدِ ذلك اليوم أعطى الراية لعلي (ع) ففتح حصون خيبر واقتلع بابه اقتلاعًا وكان لا يفتحه إلا أربعون رجلاً وبعدئذٍ قتل أبطالهم وعلى رأسهم مرحب.

21- وبعد فتح خيبر وقعت وقائع كان لعلي (ع) السهم الأوفر منها، وحين نقضت قريش عقد الصلح عزم رسول الله (ص) على مقارعتها فخرج لهم في عشرة آلاف فارس وكان اللواء الأعظم بيد علي (ع) فكان فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة. وبعد أحداث الفتح تولَّى رسول الله (ص) ومعه علي بن أبي طالب (ع) تكسير الأصنام فحمل عليًا على كتفه فصعد عليٌّ على ظهر الكعبة وألقى بالأصنام إلى الأرض فتحطمت.

22- وبعدئذٍ وقعت غزوة حنين وكان المسلمون من الكثرة بحيث اطمئنوا بالنصر إلا انهم انهزموا في أول الأمر وذلك لأن قبيلة هوازن ومن معها من القبائل فاجئتهم فلم يصمد مع رسول الله (ص) إلا نزر يسير من المسلمين وقد أشيع حينذاك أنَّ رسول الله (ص) قد قُتل وكان الذين صمدوا عشره ليس من بينهم وجوه الصحابة إلا علي بن أبي طالب (ع) فكان كما يذكر المؤرخون يشدُّ على القوم عن يمين النَّبي (ص) وشماله ويحصد الرؤوس ويصرع الأبطال ثم آب المسلون إلى رسول الله (ص) فكان النصر.

23- في السنة التاسعة من الهجرة في شهر رجب قرَّر رسول الله (ص) مواجهة الروم بعد هزيمة مؤته واستشهاد جعفر الطيَّار فعبَّأ جيشًا كبيرًا لذلك، وخلَّف رسول الله عليًّا على المدينة فنبزه بذلك بعض المنافقين فخرج عليٌّ إلى رسول الله (ص) يطلب منه الرحيل معه فقال له رسول الله (ص) -كما ذكر أكثر المؤرخين-: “إنَّ المدينة لا تصلح إلا بِي أو بِك فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي، أما ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنَّه لا نبيَّ بعدي”([22]). وهذه الرواية بلغت من التواتر حدًّا لم يجرأ أحد على إنكارها.

24- وظلَّ رسول الله (ص) بعد ذلك يُصفِّي بقايا الشرك، وكان ينتدب لذلك المسلمين فإذا ما فشلوا في تحقيق النصر انتدب لذلك عليًا فيعود عندئذٍ ظافرًا، وكان عند عودته من إحدى الغزوات ونزول سورة العاديات فيه خرج رسول الله (ص) والمسلمون لاستقباله فترجَّل عليٌّ من على فرسه إجلالاً لرسول الله (ص) فقال له النبي (ص): “اركب فإنَّ الله ورسوله عنك راضيان” فاستبشر عليٌّ وسالت دموعه من عينيه فقال له النبي (ص): “لولا إني أُشفق أنَّ تقول فيك طوائف من أُمتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك مقالة لا تمرُ على ملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك”([23]).

25- وفي السنة التاسعة من الهجرة نزلت سورة براءة على قلب رسول الله (ص) وأمره أنَّ يبلّغها أهل مكة المكرمة فبعث لذلك أبا بكر إلا أنَّ جبرئيل نزل عليه وأخبره أنَّ الله يأمرك أنَّ تبلّغها بنفسك أو بواسطة رجل منك فأمر عليًا أنَّ يرحل إلى أبي بكر ويأخذ السورة منه ويبلّغها في الموسم، فأدركه وهو في وادي ذي الحليفة فأخذها منه، وهذا المقدار من الحديث اتفق المسلمون على نقله.

26- وفي السنة العاشرة من الهجرة أمر رسول الله (ص) المسلمين بالنفير إلى الحج وكان عليٌّ (ع) في اليمن أو نجران في مهمة بعثه بها رسول الله (ص) فأرسل إليه أنَّ يوافيه إلى مكة حاجًا فلما أنجز عليٌّ مهمته أقفل بعد الظهر إلى مكة الشريفة وكان قد سبقه إليها بعض من كان معه فانتقص عليًا عند رسول الله (ص) فغضب رسول الله (ص) وقال له: “ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم” فقال بلى قال له رسول الله (ص): “من كنت مولاه فعلي مولاه”([24]). ثم لما جاء الجيش إلى مكة قام رسول الله (ص) خطيبًا وقال: “ارفعوا ألسنتكم عن عليٍّ فإنَّه خشن في ذات الله غير مداهنٍ في دينه”([25]).

27- ثم لما أن قضى رسول الله مناسكه وأزمع الرجوع إلى المدينة وكان في غدير خُم فنزل عليه جبرئيل بهذه الآية ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾([26]).

فجمع رسول الله (ص) الناس وكانوا كما ذكر ابن الجوزي مائة وعشرون صحابيًا وخطبهم فقال فيما قال: “أنَّ الله مولاي وأنا مولى كل مؤمنٍ ومؤمنة” ثم أخذ بيد عليٍّ (ع) ورفعها وقال: “من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه اللهم وآلِ من والاه وعادِ من عاداه” وقال ابن الجوزي أنَّ حادثة الغدير اتفق على نقلها كل المسلمين([27]).

28- ثم أنَّ رسول الله (ص) أمر أنَّ تضرب قُبة لعلي وأمر المسلمين أنَّ يدخلوا عليه ويسلموا عليه بأمره المؤمنين فكان فيمن دخل عليه أبو بكر وعُمر قال عمر لعلي: “بخِ بخِ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة”([28]).

29- كانت لرسول الله (ص) في يوم الغدير خطبة طويلة جاء فيها: “إنـِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فأنظروا كيف تخلّفوني فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض”([29]). وقد أجمع المسلمون على نقل هذا الخبر بطرقٍ متواترة ومعتبرة.

30- رجع النبي (ص) إلى المدنية فقضى فيها بقية أيامه وكانت شهران وتزيد قليلاً وفي هذه الفترة عبأ جيش اسامة وضم إليه وجوه الصحابة وأبقى عليًا (ع) معه إلا أنَّ الكثير منهم استنكفوا فشدَّد عليهم الأمر بالرحيل معه فخرجوا حياءً ثم عادوا محتجين بخشيتهم عليه وذلك لمرضه (ص) وحين اجتمعوا عنده قال لهم بعد أنّ وبَّخهم على عدم إنفاذ جيش اسامة قال لهم: “أيتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابًا لا تضلون بعده” فأبوا عليه وقال بعضهم “أنَّ النبي يهجر!!!”([30]). وقد أجمع الفريقان على نقل هذا الحديث.

31- وكان علي (ع) حينذاك لا يفارق رسول الله (ص) إلا لضرورة أو للقيام ببعض شئون رسول الله (ص)، وفي آخر ساعاته (ص) أفاق فلم يجد عليًا فقال النبي (ص): “ادعوا لي أخي وصاحبي” فقالت أم سلمة ادعوا له عليًا انَّه لا يريد غيره، فلما دنا عليٌّ منه أومأ إليه فأكبَّ عليه فناجاه رسول الله (ص) طويلاً. فقيل لعلي (ع) ما الذي أوعز إليك يا أبا الحسن فقال (ع): “علّمني ألف بابٍ من العلم يفتحُ لي كلُّ باب ألف باب وأوصاني بما أنا قائم به إن شاء الله”([31]).

32- ثم فتح رسول الله (ص) عينيه وقال لعلي يا علي “ضع رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله عز وجل فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك”([32]).

ثم فاضت روح رسول الله (ص) ورأسه على صدر علي (ع)، يقول علي (ع) في نهج البلاغة: “لقد قبض رسول الله (ص) وإن رأسه لعلى صدري، ولقد وليت غسله والملائكة أعواني”([33]). فإنا لله وإنا إليه راجعون.

33- استثمرت قريش ومعهم عدد من أعيان الأوس والخزرج انشغال عليٍّ وبني هاشم بتجهيز رسول الله (ص) والعزاء فاجتمعوا في السقيفة وانتهى الأمر إلى مبايعة أبي بكرٍ بالخلافة ثم ألزموا الناس البيعة فاعترضهم بعض الصحابة، وكان منهم سهل بن حنيف قال: “يا معشر قريش أشهد لقد رأيت رسول الله (ص) في مسجده وقد أخذ بيد علي وقال: “يا أيها الناس هذا إمامكم بعدي ووصيِّ في حياتي وبعد وفاتي.. فطوبى لمن اتبعه ونصره والويل لمن تخلّف عنه وخذله”([34]) وقال لهم أبو أيوب الأنصاري اتقوا الله عباد الله ثم قال سمعت النبي (ص) يقول: “أهل بيتي أئمتكم بعدي، ويُومي إلى علي ويقول: هذا أميرُ البررة مخذولٌ من خذله ومنصورٌ من نصره”([35]). وقام غيرهما من الصحابة ونقلوا ما سمعوا من رسول الله (ص) منهم أبو الهيثم بن التيهان وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وغيرهم. إلا أنَّ قريشًا لم تستجب لهم.

34- خرج عليٌّ (ع) للمسلمين وأخبرهم أنَّه الأحق بالخلافة واحتج عليهم بأمور إلا إنهم حاولوا إرغامه على البيعة فاعتزلهم بعد أنَّ حشم المسلمين على نصرته والوقوف معه، وحين اعتزلهم جمع القرآن ورتَّبه بحسب النزول وذيلهُ بتفسير ما غمض من آياته، وحين عرضه عليهم لم يقبلوا به.

35- ظلَّ عليٌّ (ع) رافضًا لبيعة أبو بكر فاقتضى رأي قريش أنَّ تُرغمه على ذلك فجاءوا إلى داره وهدّدوه بإحراقها فضُربت فاطمة ووُضعت الأغلال في عنق علي (ع) إلا إنَّهم لم يُفلحوا في إرغامه. وبايع بعد استشهاد فاطمة (ع) رعاية لمصلحة المسلمين كما أفاد (ع).

36- ظلَّ عليٌّ مهادنًا للخلفاء وكان مرجعًا لهم، كلما استعصى عليهم أمر يتصل بالدين أو إدارة الحكم حتى قال عمر في أكثر من ثلاثمائة مورد “لولا عليٌّ لهلك عُمر”([36]).

37- وحين وافى عمراً الأجلُ شقَّ عليه أنَّ يجعل الأمر لعلي (ع) رغم انّه كان يقول “لو وليكم لحملكم على الجادة البيضاء” فجعل الخلافة في ستة كان عليٌّ (ع) واحدًا منهم([37]) وخطط لئلا يؤول الأمر لعلي (ع)، وذلك يتضح من مراجعة الوصية التي أوصى بها عُمر.

38- تنازل سعد بن أبي وقاص لعثمان وتنازل الزبير إلى علي وكان طلحة غائبًا فآل الأمر إلى عبدالرحمن بن عوف فأيهما يبايعه يصبح هو الخليفة فقال لعلي (ع) أُبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين فأبى عليه علي (ع) وقال تُبايعني على كتاب الله وسنة رسوله إلا أنَّ عثمان قبل بذلك فكانت له الخلافة([38]).

39- حين استلم عثمان منصب الخلافة أفرط في تقريبه لعشيرته من بني أميه فأغدق عليهم الأموال وجعل لهم المناصب والولايات الخطيرة واستوزر مروان وأرجع أباه من الطائف وكان طريد رسول الله (ص)، فعبث بنو أمية في مقدَّرات المسلمين وكان منهم من يتجاهر بالفسق والفجور، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أنه نفى أبا ذر إلى الشام ثم إلى الربذه وأمر بضرب عمار وتولّى هو وطأ عبدالله بن مسعود في بطنه وهدد عليًا (ع) بالنفي، وكان قد حرم جمعًا من المسلمين عطاياهم فنقم عليه المسلمون في مصر والعراق والحجاز، وحاول عليٌّ (ع) إطفاء النائرة والفتنة إلا انه لم يُفلح، وقُتل عُثمان في بيته بعد أنَّ حوصر أربعين يومًا.

40- وقد بذل عليٌّ (ع) أقصى الجهد لمعالجة الأمور إلا أنَّ عثمان لم يكن يستجيب لنصائح علي (ع) كما لم يقبل الثوار أنَّ يصبروا أكثر مما صبروا وقد لخَّص علي (ع) هذه المرحلة بقوله: “وأنا جامع لكم أمره (عثمان) استأثر فأساء الاثرة وجزعتم فأسأتم الجزع”([39]).

41- لما قُتل عُثمان احتشد الناس على علي (ع) ليبايعوه بالخلافة إلا انه كان يمتنع عليهم إلا أنْ يقبلوا شروطه، فحين قبلوها قبل بالبيعة وكان ذلك في ذي الحجة سنة 35 هـ. وكان عليٌّ يصفُ حال الناس عند بيعته “ثم تداككتم عليَّ تداكَّ الإبل الهميم على حياضها يوم وردها حتى انقطعت النعل وسقط الرداء ووُطئَ الضعيف وبلغ سرورُ الناس ببيعتهم إيِّاي أنّ ابتهج إليها الصغير وهدَج إليها الكبير وتحامل نحوها العليل وحسرت إليها الكعاب”([40]).

42- بعد أن تمَّت البيعة لأمير المؤمنين (ع) أعلن عن سياسته في إدارة شئون الحكم فكان فيما أعلنه:

أولاً: أنَّ الناس سواسية في الحقوق قال (ع): “فأنتم عباد الله، والمال مال الله يُـقّسم بينكم بالسوية لا فضل لأحد على أحد وللمتقين عند الله غدًا أحسن الجزاء”([41]).

ثانيًا: استرداده للأموال التي أقطعها عثمان لغير مستحقيها وإيداعها في بيت المال لصرفها في مصارفها، يقول(ع): “والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء لرددته فإنَّ في العدل سعة ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق”([42]) وقال (ع): “ألاَ أنَّ كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال فإن الحق القديم لا يبطله شيء..”([43]).

ثالثًا: عزل العمَّال غير المؤهلين يقول (ع) للمغيرة: “لا يسألني الله عز وجل عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبدًا، وما كُنتُ متخذ المضلين عضدا”([44]).

رابعًا: إقامة الحق أيَّـًا كانت كُلفته يقول(ع): “إنَّ أفضل الناس عند الله من كان العمل بالحق أحبُ إليه -وإن نقصه وكرثه- من الباطل وإن جرَّ إليه فائدة وزاده..”([45]).

خامسًا: اعتماد سياسة الصّدق وعدم المداهنة يقول(ع): “لولا كراهية الغدر كُنتُ من أدهى الناس، ألا وأنَّ الغدر والفجور والخيانة في النار”([46]) ويقول(ع): “لا أداهن في ديني ولا أُعطي الدنية في أمري”([47]).

سادسًا: اختيار العُمّال الصالحين من ذوي الكفاءة، يقول (ع) لمالك الاشتر: “فاصطفِ لولاية أعمالك أهل الورع والعلم والسياسة”([48]).

سابعا: مراقبة العمَال ومحاسبتهم يقول(ع): “ثم انظر في أمور عُّمالك فأستعملهم اختبارًا.. ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم..”([49]).

ثامنًا: معاقبة الخونة من العُّمال كتب (ع) لرفاعة عندما بلغه خيانة ابن هرمة: “إذا قرأَت كتابي فنحِّ ابن هرمه عن السوق وأوقفه للناس واسجنه ونادِ عليه.. وإذا كان يوم الجمعة فأخرجه من السجن واضربه خمسة وثلاثين سوطًا وطف به في الأسواق..”([50]).

تاسعًا: نهيُ العمّال عن أخذ الهدية يقول (ع): “أيمُّا والٍ احتجب عن حوائج الناس احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه وإنْ أخذ هدية كان غلولاً وإن أخذ رشوة فهو مشرك..”([51]).

عاشرًا: التوفيق بين الشدة واللين، يقول الإمام (ع) “فالبس لهم جلبابًا من اللين تشوبه بطرفٍ من الشدة وداول لهم بين القسوة والرأفة وامزج لهم بين التقريب والإدناء والإبعاد والإقصاء..”([52]).

حادي عشر: اتخاذ البطانة الناصحة دون المتزلَّفة يقول (ع): “ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمرَّ الحق لك.. ثم رضهم على أن لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله فإنَّ كثرة الإطراء تحدث الزهو..”([53]).

ثاني عشر: تّعلِيم الأمة وتربيتها يقول (ع): “.. ولكم عليَّ حق، فأما حقكم عليَّ فالنصيحة لكم وتوفير فيئكم وتعليمكم كي لا تجهلوا وتأديبكم كيما تعلموا”([54]). وثمة أمور أخرى كثيرة أعرضنا عن ذكرها خشية الإطالة، وقد التزم الإمام (ع) بكل ما أعلن عنه بدقة بالغة كما يشهد لذلك التاريخ.

43- شقَّ على المتنفذين وأصحاب الامتيازات ما أعلنه علي (ع) من سياسةٍ لإدارة شئون الحكم فكانت واقعة الجمل في البصرة بعد أن بذل الإمام (ع) أقصى الجهد من أجل تجنُّب هذه الواقعة إلاّ أنهم بعد أن سلبوا بيت مال المسلمين في البصرة ومثّلوا بعامله عليها وبعد قتّلهم لجمع كبير من المسلمين وتعبئتهم لجيش كبير قوامه ثلاثين ألفًا لم يكن للإمام (ع) بُدٌّ من مواجهتهم فكان له الظفر (ع) بعد حربٍ طاحنة حصدت الآلاف من الطرفين، وكان ذلك سنة 36 هـ.

44- وما أن انتهت المعركة حتى تعبَّئت الشام بقيادة معاوية لمحاربة علي (ع) وكان قوام جيشه مائة ألف، وكان شعاره الثأر لعثمان إلا أنَّ واقع الأمر لم يكن كذلك بل إنَّ من أهم أسباب قرار الحرب هو أنَّ الإمام علي (ع) عزل معاوية عن ولاية الشام وسحب تمام الامتيازات عنه وعدم قبول معاوية بسياسة علي (ع) في إدارة شئون الحكم، ورغم أنَّ الإمام لم يكن مبتغيًا للحرب وإنما كان يُصرَّ على عزل معاوية وجميع العُّمال الفاسدين، لذلك لم يجد بدًا من مواجهة هذا الواقع والعمل على تصحيح ما انحرف من مسار الأمة. فكانت واقعة صفين والتي بدأت في سنة 36هـ واستمرَّت على بعض التقادير 18 شهرًا وحصدت الآلاف من الطرفين.

45- أوشكت المعركة أنّ تُحسم لصالح الإمام علي (ع) بقيادة مالك الأشتر إلا أنَّ معاوية وعمرو بن العاص دَّبرا مكيدة لإيقاف المعركة وهي رفع المصاحف، فرفُعت على الرماح ودعوا إلى تحكيم كتاب الله عز وجل فاضطرب جيش عليِّ (ع)، ورغم أنَّ عليًا (ع) أكّد لهم أنَّ تلك مكيدة إلاّ أنهم شهروا في وجهه اثنى عشر سيفًا فاضطر لقبول التحكيم.

46- اختار معاويةُ عمرو بن العاص ليكون ممثلاً لجيش الشام واختار علي (ع) مالكَ الأشتر أو عبدالله بن عباس إلاّ أنَّ جيشه أبى عليه واختاروا أبا موسى الأشعري فكانت النتيجة أن خُدع أبو موسى الأشعري فلم يقبل بنتيجة التحكيم جيشُ علي (ع) وقال بعضهم إننا أخطأنا وكفرنا فنتوب إلى الله تعالى من ذلك وقالوا لعلي (ع) اعترف بالكفر ثم تب إلى الله عز وجل.

من هنا نشأت فكرة الخوارج فكفّروا عليًا (ع) واستباحوا دمه ودماء كُلِّ من لم يقبل بقولهم وانفصلوا عن جيش علي (ع) وعسكروا في منطقة يقُال لها النهروان وكان قوامهم اثني عشر ألفًا، فبعث إليهم الإمام (ع) ابنَ عباس فنصحهم ونصحهم عليّ (ع) وجمعٌ من أخيار المؤمنين فرجع منهم ثمانية الآف إلا أنّ أربعة الآف منهم أصّروا على موقفهم وكان علي (ع) يأبى انْ يقاتلهم أو يمنعهم عطاياهم إلاّ أنهم لمّا أن شهروا السلاح في وجوه المؤمنين واستباحوا دماء بعض الأخيار أمثال الصحابي الجليل عبدالله بن خباب عبّأ عليٌّ ما تبقى من جيشه وبدأهم بالنصيحة فلمّا أَبوا إلاّ الحرب قاتلهم فكانت معركة النهروان، وانتهت بقتل أكثرهم. وكان ذلك سنة 38هـ وقد صدقت نبوءة رسول الله (ص) وهو الصادق المصّدق حيث قال لعلي(ع): “يا علي لتقاتلنّ الفئة الباغية والفئة الناكثة والفئة المارقة”([55]).

47- انتهت المعركة وعاد عليّ (ع) إلى الكوفة يسوس رعيته بالعدل ويأمرهم بالتقوى ويعلّمهم الفروض والأحكام والحدود وفي ذات الوقت كان يُعبأ جيشًا لمعاودة الحرب مع الشام إلاّ أنَّ فلول الخوارج أجمعت على اغتياله.

48- في اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك سنة 40هـ خرج عليٌّ لصلاة الصبح فكبّر في الصلاة ثم قرأ من سورة الأنبياء إحدى عشر آية فضربه عبدالرحمن بن ملجم على رأسه بسيفٍ مسموم فقال عليٌّ(ع): “فزت ورب الكعبة”([56]) وقِيل ضربه وهو ساجد، ثم حُمل إلى مصلاَّه في بيته ففتح عينيه فقال: “الرفيق الأعلى خيرٌ مستقرًا وأحسنُ مقيلا ضربةٌ بضربة أو العفو إنْ كان ذلك”([57]) ثم عرق ثم أفاق فقال: “رأيتُ رسول الله (ص) يأمرني بالرواح إليه عشاءً ثلاث مرات”([58]) وقال: “أطيبوا طعامه وألينوا فراشه..”([59]) ولا تُمثّلوا بالرجل فأني سمعتُ رسول الله (ص) يقول: “إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور”([60]).

49- هذا وقد أوصى عليٌّ وهو على فراشه بمجموعة من الوصايا جاء فيها “سمعتُ رسول الله (ص) يقول صلاحُ ذاتِ البين أفضلُ من عامة الصلاة والصيام، الله الله في الأيتام فلا تغبُّوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم، الله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم.. الله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم، الله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم، الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم.. وعليكم بالتواصل والتباذل وإياكم والتدابر والتقاطع.. لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولَّى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم..”([61]).

50- في المستدرك على الصحيحين قال: “ما رُفع حجر بإيليا ليلة قُتل عليٌّ (ع) إلاّ وُجد تحته دم عبيط”([62]) وذكر في موضع آخر “لم يُرفع حجر في بيت المقدس إلا وُجد تحته دم”([63]).

51- حُمل عليٌّ (ع) إلى الغريين بوصيةٍ منه بعد تغسيله وتكفينه وتحنيطه بفاضل حنوط رسول الله (ص) وقال في وصيته: “ثم اخرجا بي واحملا مؤخر السرير فإنكما تكفيان مقدمه ثم ائتيا بيَّ الغريين فإنكما ستريان صخرة بيضاء تلمع نورًا فاحتفرا فيها فإنكما تجدان فيها ساجةً”، يقول الحسن والحسين عليها السلام فاحتفرنا فإذا ساجة مكتوب عليها “مما ادَّخر نوح لعليّبن أبي طالب”([64]).

52- أُعفي قبر الإمام علي (ع) فلم يعرف أحدٌ موضعه إلا الأئمة (عليهم السلام) وبعض الخواص من شيعتهم حتى جاء زمان الإمام الصادق (ع) فأخبر الناس بموضعه ومن ذلك الحين أصبح قبره (ع) مهوى أفئدة العاشقين.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

21 من شهر رمضان 1425هـ



المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد