من هم “أصحاب الرقيم” في القرآن؟

0
10

 

المسألة:

مَن هم أصحاب الرقيم هل هم أصحابُ الكهف أنفسهم أو أنَّ الآية الشريفة تُشير إلى آخرين؟.

 

الجواب:

أصحابُ الرقيم هم أصحابُ الكهف:

 

والمشهور -ظاهرًا- بين المفسِّرين أنَّ أصحاب الرقيم هم أنفسُهم أصحابُ الكهف وإنَّما جاء توصيفهم بأصحاب الرقيم لغرض الزيادة في التعريف بهويَّة أصحاب الكهف، تمامًا كما يُقال أصحاب الكساء وآية التطهير، فإنَّ المقصودين بأصحاب آية التطهير هم أنفسُهم المقصودون من أصحاب الكساء وإنَّما تمَّ عطفُ العنوان الثاني على الأول للتوضيح والتحديد لهويَّة المقصودين من العنوان الأول.

 

القول المقابل لقول المشهور:

وفي مقابل ما أفاده مشهورُ المفسِّرين ذهب آخرون إلى أنَّ الآية قصدت من الذكر لأصحاب الرقيم الإشارة إلى حدثٍ آخر وقع في تاريخ الرسالات لكنَّها لم تتصدَّ كما لم تتصدَّ الآياتُ الأخرى في عموم القرآن للتعريف بهذا الحدَث.

نعم ورد في السنَّة الشريفة -بحسب زعم أصحاب هذا القول- أنَّ أصحاب الرقيم كانوا ثلاثة نفرٍ من الرجال “خرجوا يرتادون لأهلهم، فأخذتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطَّت صخرةٌ وسدَّت بابه.

فقال أحدُهم: اذكروا أيَّكم عمِل حسنةً لعلَّ اللَّه يرحمُنا ببركته ..” فبدأ أحدُهم فذكر معروفًا كان قد أسداه لآخر ثم قال: “اللهمَّ إنْ كنتُ فعلتُ ذلك لوجهك فافرج عنا، فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء“.

ثم تصدَّى الثاني فذكر أنَّه فعل معروفًا لامرأةٍ ذاتِ عيال دون أنْ يبتزَّها رغم قدرته على ذلك، ثم قال: “اللهمَّ إنْ كنتُ فعلتُه لوجهك فافرج عنا، فانصدع حتى تعارفوا“.

ثمَّ تصدَّى الثالث فذكر إحسانه لأبوبه الهرمين وكيف كان يبرُّهما ويؤثرهما على نفسه ثم قال: “اللهمَّ إنْ كنتُ فعلتُه لوجهِك فافرج عنا. ففرَّج اللَّه عنهم فخرجوا” قال البيضاوي في تفسيره: “وقد رفع ذلك نعمان بن بشير”([2]).

 

وقد أورد أحمدُ بن حنبل في مسنده والطبراني في المعجم الأوسط هذه القصَّة بسندٍ ينتهي إلى النعمان بن بشير أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكر الرقيم فقال: “إنَّ ثلاثة كانوا في كهفٍ فوقع الجبل على باب الكهف فأوصد عليهم قال قائل منهم: تذاكروا أيكم عمل حسنة ..”([3]).

 

وكذلك أورد هذه القصَّة البخاريُّ في صحيحه عن ابن عمر عن الرسول (ص) إلا أنَّ ابن عمر لم يذكر أنَّ أصحاب هذه القصَّة هم أصحاب الرقيم وإنْ كان البخاري قد أوردها في سياق التفسير لآية: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ﴾([4]).

 

هذا وقد زعم بعضُهم أنَّ أصحاب الرقيم “قومٌ من أهل السراة كانت حالهم كحال أصحاب الكهف“([5]).

 

ترجيح قول المشهور ومستنده:

إلا أنَّ الصحيح هو ما ذهب إليه مشهورُ المفسِّرين من أنَّ أصحاب الرقيم هم أنفسهم أصحاب الكهف الذين أورد الله تعالى قصتهم في سورة الكهف، فمضافًا إلى ظهور الآية في ذلك حيث تمَّ عطف الرقيم على الكهف فصارا معًا بمثابة المضاف لكلمة أصحاب وهو ما يقتضي استظهار إرادة الإشارة إلى معنونٍ واحد وإلا كان المناسب أنْ يُقال أصحاب الكهف وأصحاب الرقيم فمضافًا إلى ظهور الآية في اتحاد المعنون أو لا أقلَّ من إشعارها بذلك فإنَّ الروايات الواردة من طُرقنا ظاهرةٌ في أنَّ أصحاب الرقيم هم أنفسُهم أصحاب الكهف.

فمِن ذلك ما رواه العيَّاشي في تفسيره عن محمد عن أحمد بن علي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا﴾ قال (ع): هم قومٌ فرَّوا، وكتب ملكُ ذلك الزمان بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشايرهم في صُحفٍ من رصاص، فهو قوله: ﴿أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ﴾”([6]).

فالرواية صريحة في أنَّ أصحاب الرقيم هم أنفسهم أصحاب الكهف، وذلك لتصدِّي الإمام (ع) لمنشأ وصف أصحاب الكهف بأصحاب الرقيم وهو أنَّ ملك ذلك الزمان كتب أي رقَمَ أسماءهم وأسماء آبائهم وعشائرهم في صحفٍ من رصاص.

 

ومِن الروايات الدالَّة على ذلك ما أورده القمِّي بسندٍ معتبر قال: حدَّثني أبي عن ابن عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): “كان سببُ نزولها يعنى سورة الكهف..

فلمَّا كان بعد أربعين يومًا نزل عليه بسورة الكهف فقال رسولُ الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل لقد أبطأتَ؟ فقال: إنَّا لا نقدرُ أنْ ننزلَ إلا بإذن الله فأنزل ﴿أَمْ حَسِبْتَ﴾ يا محمد ﴿أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا﴾ ثم قصَّ قصتهم فقال: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إلى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾([7]).

فقال الإمام الصادق (عليه السلام): إنَّ أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملِكٍ جبار عاتٍ، وكان يدعو أهلَ مملكته إلى عبادة الأصنام فمن لم يُجبه قتله، وكان هؤلاء قوماً مؤمنين يعبدون الله عزَّ وجل ووكَّل الملك بباب المدينة ..”([8]).

فالرواية شديدة الظهور في أنَّ أصحاب الرقيم هم أنفسُهم أصحاب الكهف حيث قال (ع): “ثم قصَّ قصتهم” والواضح أنَّه -القرآن- إنَّما قصَّ قصة أصحاب الكهف وذلك يقتضي أنَّ العنوانين يُشيران إلى معنونٍ واحد، وأصرحُ من ذلك قول الصادق (ع): “إنَّ أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملِكٍ جبَّار عاتٍ ..” فذكر قصَّةً واحدة للعنوانين.

 

الأقوال في منشأ تسميتهم بأصحاب الرقيم:

ثم إنَّ المشهور رغم اتفاقهم على أنَّ أصحاب الرقيم هم أنفسُهم أصحاب الكهف إلا أنَّهم اختلفوا في منشأ تسمية أصحاب الكهف بأصحاب الرقيم، ويُمكن إنهاءُ أقوالهم في ذلك إلى خمسة:

 

الأول:

 الرقيم من الرقم وهو الكتابة، يُقال رقمتُ الكتاب أرقمه يعني كتبتُه، وكتاب مرقوم يعني مكتوب، ويُسمَّى الكتاب رقيم باعتبار كونه ظرفًا للرقم والكتابة، أو لكونه مرقومًا أي مكتوبًا، فهو رقيم على وزن فعيل بمعنى مفعول كجريح بمعنى مجروح وقتيل بمعنى مقتول، وطريد ولعين بمعنى مطرود وملعون.

وسُمِّي أصحاب الكهف بأصحاب الرقيم لأنَّهم بعد أن لجأوا إلى الكهف وغابوا في وسطه، كُتبت أسماؤهم أو قصَّتُهم في لوحٍ من رصاص أو حجر وعُلِّق على باب الكهف أو تمَّ إيداعه في خزانة ملِك ذلك الزمان ثم تعاقب الملوك على توارثه وإيداعه في خزائنهم، لذلك عُرف أصحاب الكهف بأصحاب الرقيم أي عُرفوا بأصحاب ذلك اللوح المرقوم.

 

الثاني:

 أنَّ الرقيم اسمٌ للجبل الذي فيه الكهف، فالكهف مغارةٌ في الجبل، والرقيم اسم لذلك الجبل الذي دخل أصحاب الكهف إلى مغارته، نُسب ذلك للحسن البصري وعطية.

 

الثالث: 

أنَّ الرقيم هو اسمُ الوادي الذي كان فيه الكهف، ومن ذلك رقمة الوادي وهو موضع الماء منه، تقول العرب: عليك بالرقمة، ودع الضّفة. والضِّفتان جانبا الوادي. نُسب هذا القول لابن عباس والضحاك، وقتادة.

 

الرابع:

 أنَّ الرقيم هو اسم الكلب الذي اصطحبوه معهم إلى الكهف والذي قال الله فيه: ﴿وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾([9]) نسبَ ذلك يزيدُ بن درهم إلى أنس بن مالك ونُسب أيضًا إلى سعيد بن جبير.

 

الخامس:

 أنَّ الرقيم هو اسم القرية التي خرج منها أصحابُ الكهف، نُسب ذلك إلى السدي([10]).

 

وأرجحُ الأقوال هو الأول فمضافًا إلى تناسبه مع المدلول اللُّغوي لكلمة الرقيم فإنَّه مرويٌّ عن الإمام الصادق (ع) كما في تفسير العياشي.

 

 

الشيخ محمد صنقور

———————–

[1]- سورة الكهف / 9.

[2]- تفسير البيضاوي -البيضاوي- ج3 / ص479. 

[3]- مسند أحمد -أحمد بن حنبل- ج4 / ص274، المعجم الأوسط- الطبراني- ج3 / ص9.

[4]- صحيح البخاري -البخاري ج4 / ص147، 148.

[5]- تفسير القرآن وهو اختصار لتفسير الماوردي -عز الدين عبد السلام الدمشقي- ج2 / ص239.

[6]- تفسير العياشي -العياشي- ج2 / ص321.

[7]- سورة الكهف / 10.

[8]- تفسير القمي -القمي- ج2 / ص32.

[9]- سورة الكهف / 18.

[10]- لاحظ: التبيان في تفسير القرآن -الشيخ الطوسي- ج7 / ص11، تفسير مجمع البيان -الطبرسي- ج6 / ص314، جامع البيان عن تأويل آي القرآن -الطبري- ج15 / ص249، معاني القرآن -النحاس- ج4 / ص217. تفسير الثعلبي ج6 / ص147، زاد المسير -ابن الجوزي- ج5 / ص76.

المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد