وكانت ملامحه كملامح أبيه الامام علي الهادي (عليه السلام) ، أما ألقابه فهي كثيرة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر “سبع الدجيل” وهو أشهر ألقابه وبه عرف ( [1]) .
أقام السيد محمد (عليه السلام) مع أبيه الامام علي الهادي (عليه السلام) في المدينة المنورة حتى السنة الثانية من حكم المتوكل العباسي (234هـ / 848م) ثم سعى بأبيه الهادي (عليه السلام) ، فأرسل إليه واستدعاه لسر من رأى فخلفه طفلاً في المدينة المنورة ، وكان عمره آنذاك ست سنين( ([2].
عاصر السيد محمد (عليه السلام) عدداً من حكام بني العباس ، وهم ” الواثق ، والمتوكل ، والمنتصر ، والمستعين ، والمعتز العباسي” ، وأن الذي يهمنا في هذا المقال ، هو معرفة علاقة السيد محمد (عليه السلام) بأبيه الإمام الهادي (عليه السلام) ، وأخيه الإمام العسكري (عليه السلام) مع الخلافة العباسية ، وتتجلى هذه العلاقة بين الإمامين العسكريين (عليهما السلام) والخلافة العباسية بصورة واضحة في الموت المفاجئ للسيد محمد (عليه السلام) ، الذي توفي بضواحي قرية بلد، في أواخر جمادي الآخرة سنة (252هـ / 867م) ، وقد ذكر البوتختي:” أن السيد محمد (عليه السلام) ، قد توفي قبل أبيه الامام الهادي (عليه السلام) بسنتين تقريباً وقبل أخيه الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) بثمان سنوات”([3]).
واختلفت الراويات في خروج السيد محمد (عليه السلام) من سر من راى ووصوله إلى بلد ، فروي ، أنه كان قافلاً بالرجوع إلى مدينة جده النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله) بعد أن أتم زيارة والده وأهله ، ” ولما وصل سواد قرية بلد من دجيل مرض وثقل مرضه وتوفي هناك وجاء والده وأهل بيته وغسلوه ودفنوه في نفس الموضع”([4]) .
في حين تذكر الراوية الثانية ، أنه قد ذهب للدجيل لقضاء بعض الواجبات والحوائج لأبيه الامام الهادي (عليه السلام) ، و ثقل عليه المرض فتوفي هناك ([5]) ، وهذه الرواية أقرب للصحة للدلالات التالية :
إن موضوع سفر السيد محمد (عليه السلام) ورجوعه للمدينة المنورة ، ومروره ببلد الدجيل ، رواية تبدو عند النظر فيها ضعيفة ، فهي لا تنسجم مع سير الأحداث التي عصفت بالإمام الهادي (عليه السلام) وعائلته وأصحابه من سجن ومطاردة وقتل.
إن الوفاة المفاجئة والمرض السريع الباغت الذي أودى بحياة السيد محمد (عليه السلام) ، والذي لم يشير إليه – هذا المرض – أحد قبل أو أثناء خروجه من سر من راى ، كما لا يتناسب طبيعياً مع رجل في مقتبل شبابه ( 24 سنة)، وإنما تتوجه أصابع الاتهام في دس السم إليه من قبل بني العباس.
إن من الدلائل التي تشير إلى قتله من قبل بني العباس ، هو مجلس العزاء الذي أقامه الإمام الهادي (عليه السلام) في داره بسر من رأى ، على ولده أبي جعفر ، وهو من المسلمات التاريخية التي لا تسمح لنا أن نتصور قيام الإمام الهادي (عليه السلام) بتجهيزه ولده السيد محمد (عليه السلام) ودفنه في محل وفاته والعودة على ظهور الخيل إلى سر من راى التي تبعد عشرات الكيلومترات عن بلد الدجيل وعلى مرأى ومسمع بني العباس فيبدو أنهم حاولوا التعتيم على غدرهم له، ففسحوا المجال لأبيه لإقامة العزاء له، فوسع الإمام الهادي (عليه السلام) ذلك المجلس لحضور أكثر من أربعمائة هاشمي وعلوي وعباسي فيه ([6] ) .
وهنا تأتي الدلالة الثانية وهي شدة الحزن وعظم المصاب الذي ألم بالإمام الهادي (عليه السلام) على ولده السيد محمد (عليه السلام) وكذا الحزن والألم الذي أصاب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ، فلو كانت الوفاة طبيعية ، لما كان الحزن بمثل هذه الصورة وإنما كان من الممكن أن نرى التسليم والرضا بقضائه (عز وجل) ، حيث روى جماعة من بني هاشم ، كانوا قد حضروا يوم وفاة السيد محمد (عليه السلام) في دار الامام علي الهادي (عليه السلام) : ” إذ نظرنا إلى الحسن بن علي (عليه السلام) وقد جاء مشقوق الجيب، حتى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه ، فنظر إليه أبو الحسن (عليه السلام) بعد ساعة من قيامه ، ثم قال له : يا بني احدث لله شكرا ، فقد احدث فيك امرا فسألنا عنه ، فقيل لنا : هذا الحسن ابنه ، فقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة ونحوها فيومئذ عرفناه وعلمنا انه قد اشار اليه بالإمامة واقامة مقامه ” ([7])، وهذا فيه دلالة على أن الإمام علي الهادي (عليه السلام) كان قد ستر مكانة وإمامة ولده الامام الحسن العسكري (عليه السلام) من بني هاشم ، علويين وعباسيين ، خوفا عليه من القتل من قبل بني العباس.
ومن هنا يتضح الدور الكبير للإمام علي الهادي (عليه السلام) في حفظه لولده الامام الحسن العسكري (عليه السلام) من بني العباس ، الذين كانوا يحاولون قتله لمنع تولد القائم ولده ، وبذلك فان وفاة السيد محمد (عليه السلام) قد كشفت الغطاء عن إمامة الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) ، في الوقت ذاته أن تعزية الإمام الهادي (عليه السلام) للإمام العسكري (عليه السلام) بأخيه السيد محمد أبي جعفر (عليه السلام) ، التي ذكرها الكليني والمفيد والطوسي، هي كناية عن عظيم مقام السيد محمد (عليه السلام) ، وإلا فان النص على إمامة العسكري (عليه السلام) دون غيره ، ثابت منذ أن نص عليه النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله) ، وصرح به الأئمة الطاهرون (عليهم السلام) إماماً بعد إمام على مر السنين.
المصدر: موقع العتبة الحسينية المقدسة
———————————-
([1])أبو الحسن علي بن علي بن أبي الفتح الاربلي ، كشف الغمة في معرفة الائمة (عليهـم السلام)،(بيروت :دار الاضواء،د.ت) ، ج3 ، ص197 ؛ ابن شهر آشوب ، مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) ،( النجف الاشرف: مطبعة الحيدرية ,1956م)، ج3 ، ص506؛ محمد حسين الأصفهاني ، الأنوار القدسية ، تحقيق علي النهاوندي ، (قم: مطبعة دانش ، 1985م)، ص178.
([2])شمس الدين ابو المظفر بن فرغاني سبط ابن الجوزي ، تذكرة الخواص،(بيروت: دار العلوم,2004م)، ص360.
([3]) أياد عيدان البلداوي ، بلد قديماً وحديثاً ، (بغداد: مؤسسة البلداوي ، 2010م) ، ص19 .
([4])محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، الارشاد في معرفه حجج الله على العباد ,(قم: مطبعة سرور,1993م) ، ص494 ؛ حسن الأمين، مستدركات أعيان الشيعة ،(بيروت: دار التعارف ، ، 1997م )، ج1 ، ص213 .
([5]) ذبيح الله المحلاتي ، مأثر الكبراء في تاريخ سامراء ,(قم: مطبعة شريعة,2006م) ، ج2 ، ص351 .
([6]) ابن شهر آشوب ، المصدر السابق، ج3 ، ص524 .
([7])محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد، المصدر السابق ، ص498 ؛ ابي منصور احمد بن علي الطبرسي ، أعلام الورى(قم: مطبعة ستارة , ,199م) ، ج2 ، ص135 ؛ ابن شهر آشوب ، المصدر السابق ، ج3 ، ص524.
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.