وبهذا اعتبر التحرّك نحو المسؤوليّة العمليّة نتيجة طبيعيّة لذلك، كما ورد في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحجرات: 10].
ونلتقي مع بعض الأحاديث النبويَّة الشَّريفة الَّتي تجعل الاهتمام النفسي بأمور المسلمين، من المقوِّمات الأساسيَّة للشخصيَّة الإسلاميَّة، بحيث يخرج الإنسان الَّذي يفقد هذا الاهتمام، فيعيش جوّ اللامبالاة إزاء آلام الآخرين ومشاكلهم، عن صفته الإسلاميَّة، ما يجعل القضيَّة الاجتماعيَّة مرتبطة بالتكوين النفسي للإنسان المنتمي إلى الإسلام.
وبهذا تلتقي الشخصيَّة الفردية بالشخصية الاجتماعيَّة في الإسلام، وذلك هو الحديث المأثور عن النبيّ (ص): “مَنْ أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم” .
ولم يقتصر الإسلام على [إعطاء] هذه العلاقة صفة الأُخوّة، من ناحية تشريعيَّة، بل حاول أن يخضعها للتجربة العمليَّة في المجتمع الإسلامي الأوَّل في المدينة، عندما آخى النبيّ محمّد (ص) بين المهاجرين والأنصار، باعتبار فرد ما من المهاجرين أخاً لفرد من الأنصار، وبين المهاجرين أنفسهم، والأنصار أنفسهم.
وكان من أثر هذا التآخي العملي، أنْ عاش المسلمون هذه الرّوح، في إطار نفسي يتحوَّل إلى مسؤوليّة عمليّة عفويّة بعضهم تجاه بعض، حتى كان أحدهم يشاطر أخاه الجديد في الإيمان [ماله] إذا لم يكن لديه مال، انطلاقاً من فكرة الإيثار التي تفرضها مشاعر الأُخوَّة وأحاسيسها.
الحبُّ في الله
كثرت الأحاديث التي تتحدّث عن الحبّ في الله والبغض في الله، كأساس للعلاقة بين المؤمنين التي ترقى إلى مستوى القيمة التي تقرّب المؤمنين إلى الله، وتجعلهم جديرين بثوابه، ما يعطي القضيَّة اتّجاهاً إيجابياً في تصنيع العاطفة، بحيث تتحرّك مع حركة العقيدة، وتنسجم مع أجوائها، وبذلك يتحوَّل الإيمان بالله إلى رابطة عاطفيَّة، إلى جانب اعتباره رابطة فكريَّة، تجمع الناس على أساس الفكر والوجدان.
فمن هذه الأحاديث، ما ورد عن الإمام محمَّد بن عليّ الباقر (ع): “إذا أردتَ أنْ تعلمَ أنّ فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإنْ كان يحبّ أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته، ففيك خير والله يحبّك، وإذا كان يبغض أهل طاعة الله ويحبّ أهل معصيته، فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع مَنْ أحبّ” .
وفي حديث الإمام جعفر الصّادق (ع): “مَنْ أحبّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، فهو ممّن كمل إيمانه” .
وفي حديث آخر عنه (ع): “كلّ مَنْ لم يحبّ على الدين، ولم يبغض على الدين، فلا دين له” .
ولعلّ من البديهي القول بأنَّ القضايا الشعورية والعاطفية لا تفرض فرضاً، ولا يمكن إيجادها بقانون تشريعيّ، بل هي عمليّة داخليّة تخضع للقناعات الفكرية التي تتحوَّل ـــ بفعل وضوح الرؤية في الهدف ـــ إلى أشياء ذاتيَّة تستقرّ في الأعماق، وتظلّ تنمو في حركة تدريجيَّة حتى تلامس الشّعور، فتبدأ في التحوُّل إلى فيض عاطفي، وحالة شعوريَّة حميمة.
* من كتاب “الإسلام ومنطق القوَّة”
السيد محمد حسين فضل الله
———————
1- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج11، ص559.
2- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 66، ص 247.
3- وسائل الشيعة، ج16، ص 165.
4- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 127.
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.