السيرة الذاتيَّة للإمام عليٍّ الهادي (ع)

0
45







السيرة الذاتيَّة للإمام عليٍّ الهادي (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

الإمام عليُّ بن محمدٍ الهادي (ع) هو الإمام العاشر من أئمة أهل البيت (ع)، وقد دلَّت النصوص الدينية الكثيرة والمعتبرة على إمامته وعصمته، وتأكَّد ذلك بما ظهر من فضائله وكراماته بحيثُ لم تكن تخفى على كثيرٍ ممَّن عاصره.

تاريخ مولده ومدة إمامته

وُلد الإمام (ع) في المدينة المنورة في النصف من ذي الحجة وقيل في الثاني من شهر رجب وقيل في الخامس من شهر رجب سنة 212هـ وبقي في كنف والده الإمام الجواد (ع) مدة ثمان سنين تقريباً، وحين استُشهد والده (ع) اضطَّلع هو بدور الإمامة سنة 220هـ، وظلَّ حاملاً لأعبائها بقية عمره الشريف الى أنْ استُشهد في سامراء في الثالث من شهر رجب سنة 254هـ، فكانت المدة التي مارس فيها دور الإمامة 34 سنة، قضى منها عشرين سنة في المدينة المنورة، فكان فيها موئلاً للعلماء حيث كانوا يحضرون مجلسه ويستمعون لحديثه ويسألونه عمَّا كان يستعصي عليهم فيما يتَّصل بالفقه والتفسير والحديث وأصول العقيدة، وكان مرجعاً دينياً لعموم المسلمين ولشيعة أهل البيت (ع)، فقد كانوا يسألونه ويُراسلونه، وقد احتفظت لنا كتب التاريخ والحديث بالكثير من المسائل التي كان يُسأل عنها وبالكثير من المكاتبات التي كان يتصدَّى الإمام (ع) للإجابة عليها، وهي الآن مصدرٌ من مصادر التشريع عندنا نحن الشيعة الإمامية.

هذا وقد صرف الإمامُ (ع) كثيراً من إهتماماته في تربية قواعده وتقويم سلوكهم، فقد كان يعقد لهم مجالس الوعظ والإرشاد، وكان يُتابعهم عن كثَب ولا يكتفي بالحديث معهم عن مكارم الأخلاق، وقد احتفظت لنا كتب الحديث بالكثير من مواعظه وغرر حكمه سواءً منها ما كان يُلقيه في مجالسه العامة أو ما كان يُوجِّهه لبعض شيعته أو في مراسلاته، هذا مضافاً إلى ما كان يُمارسه من دورٍ إجتماعي لم يكن حكرًا على فئةٍ خاصة، فقد عُرف عنه اهتمامه البالغ بقضاء حوائج الناس ورعايته للفقراء والمعوزين، وكانت عطاياه تطالُ حتى من كان يناوؤه أو لا يعتقد بإمامته، ولذلك كان يقصده الوافدون على المدينة المنورة من أقطار الحاضرة الإسلامية أملاً في أنْ ينالهم شيء من فيضه، فلا يرجع منهم أحدٌ خائباً أبدًا.

كلُّ ذلك كان بمرأىً من السلطة العباسيَّة وكان يسوؤها ما تراه من عشق الناس له وارتباطهم به، وكانت أخبارُه تصلُ أولاً بأول إلى سامراء عاصمة الدولة العباسية آنذاك، وكان فيما كتبوه -كما يذكر المؤرخون-الى المتوكِّل العباسي “إنْ كان لك بالحرمين حاجة فأخرِج منهما عليَّ بن محمد فإنَّه دعا الناس إلى نفسه وتبعه خلقٌ كثير”(1)، وترادفت الكتب في ذلك على المتوكِّل العباسي فأمر بإشخاص الإمام (ع) إلى سامراء، وأمر بأنْ يتصدَّى لذلك قائده العسكري “يحى بن هرثمة” وأمره بتفتيش دار الإمام (ع) تفتيشاً دقيقاً.

ولمَّا أنْ شعر الناس بذلك ضجًّوا وأعربوا عن سخطِهم من هذا القرار.

فقد ذكر المسعودي وابن الجوزي وغيرهم من المؤرِّخين عن يحيى بن هرثمة قال: “فلمَّا دخلتُ المدينة ضجًّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على أبي الحسن، وقامت الدنيا على ساقٍ لأنَّه كان مُحسناً إليهم ..”(2).

وحين بلغ الإمام (ع) مدينة سامراء خضع للرقابة المركَّزة، وفي أحيانٍ كثيرة تُفرض عليه الإقامة الجبرية، وكانت السلطة بين الحين والآخر تُداهِمُ بيته وتقومُ بتفتيشه تفتيشاً دقيقاً، واستمرَّ هذا الحال بالإمام الهادي (ع) مدة اثنتي عشرة سنة حتى استُشهد (ع) في زمن المعتزِّ العباسي.

فكانت السنين التي قضاها بقية عمره الشريف في سامراء هي أصعب السنين وأقساها عليه -رغم قسوة كلِّ السنين التي عاشها -سلام الله عليه- فقد أمعنت السلطة العباسيَّة في إيذائه والتضييقِ عليه بغيةَ عزله عن قواعده وشيعته إلا أنَّه ورغم الجهود التي بذلتها في هذا السبيل كان الإمام (ع) يتَّصل بشيعته عبرَ مجموعة من الوسائل، منها أنَّه جعل في كلِّ قطرٍ من الأقطار الإسلامية التي له فيها شيعة وكيلاً يقوم بدور الوساطة بينهم وبين الإمام (ع)، فكانت الشيعة تُراجع وكلاء الإمام في كلِّ ما يتَّصل بالشؤون الدينية والاجتماعية، وفي كلِّ ما يستجدُّ من أمور سياسية، وكانوا بدورهم يتَّصلون بالإمام (ع) مباشرةً أو عن طريق بعث الرسل أو الكتب إليه، وفَوْرَ وصول شيءٍ عن الإمام (ع) يُبادرونَ إلى تبليغه إلى شيعته.

ومن الوسائل التي اعتمدها الإمام (ع) لغرض الاتصال بشيعته هو ما كان يعقده من مجالس سرِّية أو تحت مسمَّيات مستعارة. وبذلك تمكَّن الإمام (ع) من حماية قواعده وشيعته من التبعثر والذوبان وظلًّ هذا الخطُّ العقائدي محتفظاً بوهَجه وقدرته على الاستقطاب والاستمرار واستعصاء تذويبِه أو حتى اختراقه.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

2 رجب 1425 هـ



المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد