غرس الأشجار في نظر الإسلام

0
32


الأشجار هي جزء أساسي من حياتنا وبيئتنا. يعتبر غرس الأشجار في الربيع من الأمور الهامة التي يجب أن نوليها اهتمامًا كبيرًا.
إن يوم غرس الأشجار يأتي كتذكير رائع بأهمية الربط بين الإنسان والطبيعة، ففي هذا اليوم المميز، تنطلق جموع الناس في مختلف أنحاء العالم لتلوين الأرض بأشجارها وزهورها، ليس فقط كفعل بيئي، بل كفعل يعبر عن تضامنهم مع البيئة ورغبتهم في حمايتها. وبهذا العمل تعبر عن الحب للطبيعة والاهتمام بالبيئة، وتذكير بأهمية الحفاظ على جمال الأرض التي نعيش فيها.

ما يخص هذه المناسبة وهو ما هي الرؤية الإسلامية لهذا الحدث؟ وهل وصلت الينا توصيات وروايات من النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام والعلماء في هذه التقاليد؟ وعلى فرض الترغيب في الإسلام بغرس الأشجار، هل جعل يوم خاص لغرس الأشجار بهذا الإسم صحيح أم مخالف لتعليمات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام؟ لهذا قمنا بالبحث في الروايات الصادرة عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام والفتاوى الصادرة عن المراجع وعلماء الشيعة حول غرس الأشجار وزرع الأزهار ونريد أن نفهم هل هذه الأفعال، من الأمور التي إهتمّ بها الله عز وجل والأنبياء والأئمة عليهم صلوات الله أم لا؟

ترغيب الإسلام بغرس الأشجار في القرآن

عندما نراجع الآيات القرآنية، نرى أن في بعض الآيات، إشارة إلى الأشجار والزرع والأزهار والله أحصى الأشجار والزرع والأزهار في ضمن الآيات الدالة على التوحيد والتي يجب على الناس التأمل فيها والتدبر حولها.

الاشجار مظاهر قدرة الله

وهذه الأشجار مظاهر لقدرة الله سبحانه وتعالى. حيث يقول الله عزوجل (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَکُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا کَانَ لَکُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ یَعْدِلُونَ. 1)

وفي الآية الأخرى، يجعل الأشجار علامات دالة على حكمة الله وقدرته سبحانه وتعالى حيث قال (یُنبِتُ لَکُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّیْتُونَ وَالنَّخِیلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن کُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِی ذَلِکَ لآیَةً لِّقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ. 2)

التامل في الاشجار

وفي الآية الأخرى يحث العباد على التأمل والتدبر في الأشجار والأزهار والزرع ويقول (أَفَرَءَیْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّ ارِعُونَ لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَکَّهُونَ‏ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ‏. 3)

وأيضا يعبر القرآن عن الأشجار والفواكه بالنعم التي يجب على العباد شكر الله عليها. فقال (فَلْینظُرِ الإِنسَانُ إِلَی طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا، فَأَنبَتْنَا فِیهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَیتُونًا وَنَخْلاً، وَحَدَائِقَ غُلْباً، وَفَاکهَةً وَأَبًّا، مَّتَاعًا لَّکمْ و لأنْعَامِکم. 4)

فعلى هذا نرى أن الله سبحانه وتعالى أعطى أهمية كثيرة للأشجار والفواكه والأزهار والنباتات بشكل عام وجعلها عبرة ونعمة وعلامة وسبب للتدبر والتأمل. فغرس الأشجار والأزهار وزرع النباتات يكون مطلوبا لله سبحانه وتعالى.

 

12 رواية عن ترغيب الاسلام بغرس الأشجار
وكذلك الأمر حينما نراجع الروايات الصادرة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام. فنشاهدهم عليهم السلام يشجعون ويحثون على غرس الأشجار والأزهار وزرع النباتات. فنشاهد أن أهل البيت عليهم السلام جعلوا غرس الأشجار وزرع النباتات من أحسن الأعمال حيث وردت روايات كثيرة في هذا المجال. 
1.    منها رواية الإمام الباقر عليه السلام (كان أبي يقول: إن خير الأعمال، الحرث. يزرعه صاحبه فيأكل منه البر والفاجر، فأما البر فما أكل من شيء استغفر لك، وأما الفاجر فما أكل منه من شيء لعنه، ويأكل منه البهائم والطير. 5) 
2.    عن الإمام الصادق عليه السلام (سأله رجل فقال له: جعلت فداك أسمع قوما يقولون أن الزراعة مكروهة؟ فقال له: إزرعوا وإغرسوا فلا والله ما عمل الناس عملا أحل ولا أطيب منه، والله ليزرعن الزرع وليغرسن الغرس بعد خروج الدجال. 6) 
فهذه الروايتان وأمثالهما تدلان بشكل صلريح على أن غرس الأشجار وزرع النباتات من أحب الأعمال لدى الله سبحانه وتعالى والأئمة عليهم السلام. وأيضا من الروايات التي تدلّ على أهمية وفضل غرس الأشجار في الإسلام هي أن مهنة الأنبياء والأولياء كانت الزراعة وغرس الأشجار وزرع النباتات. 
3.    قال رسول الله صلى الله عليه وآله (إن الله عز وجل حين اهبط آدم عليه السلام من الجنة، أمره أن يحرث بيده، فيأكل من كدّ يده بعد نعيم الجنة.7) 
4.    وعن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال (ما في الأعمال شيء أحب إلى الله تعالى من الزراعة وما بعث الله نبيا إلا زراعا، إلا ادريس فانه كان خياطا.8) 
5.    وقال الإمام الصادق عليه السلام (إن الله جعل أرزاق أنبيائه في الزرع والضرع كيلا يكرهوا شيئا من قطر السماء.9) 
6.    والملفت للنظر أن أميرالمؤمنين عليه السلام مع أعماله الكثيرة في زمن حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأيضا في زمن خلافته الظاهرية، لم يترك الزراعة وغرس الأشجار بل لم يزل يغرس الأشجار ويزرع النباتات. فقد روي (أن أمير المؤمنين عليه السلام لما كان يفرغ من الجهاد يتفرغ لتعليم الناس والقضاء بينهم فإذا فرغ من ذلك اشتغل في حائط له يعمل فيه بيديه وهو مع ذلك ذاكر الله تعالى .10 )
7.    وعن الإمام الصادق عليه السلام قال (كان أمير المؤمنين عليه السلام يضرب بالمر، ويستخرج الأرضين، وكان رسول الله يمص النوى بفيه فيغرسه فيطلع من ساعته، وإن أمير المؤمنين أعتق ألف مملوك من ماله وكدّ يده. 11) 
8.    وروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام (إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عليه السلام كَانَ يَخْرُجُ وَمَعَهُ أَحْمَالُ النَّوَى، فَيُقَالُ لَهُ: يَا أَبَا الحَسَنِ! مَا هَذَا مَعَكَ؟ فَيَقُولُ: نَخْلٌ، إِنْ شَاءَ اللهُ، فَيَغْرِسُهُ فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُ وَاحِدَة. 12)
9.    والملفت للنظر أن الحث والبعث إلى غرس الأشجار كان موجودا من زمن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأن النبي كان يحث ويشجع أصحابه إلى غرس الأشجار وعدم قطعهن. ومن الاحاديث الواردة في هذا المجال :عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله (ما من مسلم يغرس غرسا او يزرع زرعا، فيأكل منه انسان او طير او بهيمة الا كانت له صدقة. 13) 
10.    وعن أبي أيوب الأنصاري (أن رسول الله قال (من غرس غرسا فأثمر، أعطاه الله من الأجر قدر ما يخرج من الثمرة. 14) 
11.    وقال رسول الله صلى الله عليه وآله (من بنى بنيانا بغير ظلم ولا اعتداء، أو غرس غرسا بغير ظلم ولا اعتداء، كان له اجرا جاريا ما انتفع به أحد من خلق الرحمن. 15) 
12.    وعنه صلى الله عليه وآله قال (ما من رجل غرس غرسا إلا كتب الله له من الأجر قدر ما يخرج من ثمر ذلك الغرس. 16)
استفتاءات الزرع وغرس الاشجار
والفقهاء والعلماء أيضا تبعا للنصوص الواردة، أفتوا بأنه إذا أحد زرع زرعا أو غرس شجرا، فيكون هذا الزرع وهذه الشجرة من عياله وواجب عليه أن يسقيه كما يجب عليه نفقة عياله. قال العلامة الحلي في التحرير

(أما سقي الزرع وما يتلف بترك العمل فالأقرب الزامه بالعمل من حيث انه تضييع للمال فلا يقر عليه. 17) فكل هذا يدلّ بشكل صريح أن غرس الأشجار مطلوب لله الخالق الواحد الأحد بل إنه من أحب الأشياء إليه سبحانه وتعالى.
ومن هنا يتضح أن جعل يوم مخصوص لغرس الأشجار والتسمية بهذا الإسم ليس تشريعا محرما بل إنه أيضا من الأمور المحبوبة لدى الله سبحانه وتعالى. لأن جعل يوم معين في كل سنة، يجعل الناس يتوجهون أكثر إلى غرس الأشجار ويهتمون إهتماما كثيرا بهذه السنة الحسنة.
أرجوا أن نتوفق لغرس الأشجار وزرع النباتات بنية صالحة.

 

1) سورة النمل، الآية 60.
2) سورة النحل، الآية 10.
3) سورة الواقعة، الآية 63 إلى 67.
4) سورة العبس، الآية 24.
5) وسائل الشيعة، الشيخ حر العاملي، ج13، كتاب المزارعة والمساقاة، ح1، نشر مؤسسة آل البيت- قم، الطبعة الأولى.
6) وسائل الشيعة، الشيخ حر العاملي، ج13، ص192، نشر مؤسسة آل البيت- قم، الطبعة الأولى.
7) وسائل الشيعة، الشيخ حر العاملي، ج13، ص196، نشر مؤسسة آل البيت- قم، الطبعة الأولى.
8) مستدرك الوسائل، الحاج ميرزا حسين النوري، ج13، ص26، نشر مؤسسة آل البيت- قم، الطبعة الأولى.
9) وسائل الشيعة، الشيخ حر العاملي، ج13، ص193، نشر مؤسسة آل البيت- قم، الطبعة الأولى.
10) مستدرك الوسائل، الحاج ميرزا حسين النوري، ج2، ص417، نشر مؤسسة آل البيت- قم، الطبعة الأولى.
11) مستدرك الوسائل، الحاج ميرزا حسين النوري، ج2، ص419، نشر مؤسسة آل البيت- قم، الطبعة الأولى.
12) الكافي، الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، ج5، ص75 ،نشر دار الكتب الإسلامية- طهران، الطبعة الرابعة.
13) مستدرك الوسائل، الحاج ميرزا حسين النوري، ج13، ص460، نشر مؤسسة آل البيت- قم، الطبعة الأولى.
14) مستدرك الوسائل، الحاج ميرزا حسين النوري، ج13، ص460، نشر مؤسسة آل البيت- قم، الطبعة الأولى.
15) مستدرك الوسائل، الحاج ميرزا حسين النوري، ج13، ص460، نشر مؤسسة آل البيت- قم، الطبعة الأولى.
16) نهج الفصاحة، ابوالقاسم باينده، ص707، نشر دنيا دانش- طهران، الطبعة الأولى.
17) تحرير الاحكام، العلامة الحلي، ج4، ص214، نشر مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام- طهران، الطبعة الثانية.
 

 



المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد