يُعتَبَرُ الاتِّزانُ في التّربيةِ مِن أصعَبِ الأمورِ وأعسَرِها على المُربّي، فضبطُ المِعيارِ التربويِّ بصورةٍ عَادِلَةٍ ومُتساويَةٍ في العَمليّةِ التربويّةِ لا يدخُلُ ضِمنَ السّيطرةِ الكامِلَةِ والتّامَّةِ للمُرَبِّينَ إلّا مَن عَصَمَ اللهُ وأيَّدَهُ بلُطفٍ خَاصٍّ، غيرَ أنَّ بذلَ الجُّهدِ بالمَيسورِ والمُستَطَاعِ هوَ مِمّا يجِبُ أنْ يقومَ بهِ المُرَبّي ويبذُلُ ما في وِسعِهِ لتحقيقِ هذا الهَدَفِ النّبيلِ والعَظيمِ.
والحِرمانُ هوَ الكَفَّةُ المَرجُوحَةُ في العَمَليّةِ التربويّةِ، والوَجهُ الأسوَدُ الذي تخرُجُ بهِ نتائِجُ المُربّي الفاشِلِ…
غيرَ أنَّ الحِرمانَ قد تكونُ أسبابُهُ خارجَ الدائرةِ التربويّةِ، ويقَعُ بصورةٍ قاهِرَةٍ على الإنسانِ! مِمّا يَدخُلُ في دائرةِ القَضاءِ والقَدَرِ أو غَلَبَةِ العاداتِ الاجتماعيّةِ أو هيمَنَةِ قوى الشَّرِّ في البِلادِ مَثلاً …
وصُورُ الحِرمانِ مُتَنَوِّعَةٌ ومُتَعَدِّدَةٌ؛ نذكُرُ مِنها للتذكيرِ والتَّنبيهِ؛ بُغيةَ الحَدِّ مِنهُ، والمُعالجَةِ، وتلافي ما يُمكِنُ تلافيهِ-:
- الحِرمانُ العاطِفِيّ والنَّفسِيّ: وأقرَبُ مَصادِيقِهِ هوَ الحِرمانُ مِن حَنانِ الأبِ والأُمِّ؛ كأنْ يفقِدَ الإنسانُ أحدَهُما بموتٍ أو سَجْنٍ، أو موتِهما بحادِثٍ مَثلاً، او فراقِهِما لأسبابٍ اجتماعيّةٍ أو عَمَلٍ أو دِراسَةٍ، أو سُوءِ التَّربيِة كأنْ يُهمِلَ الأبُ أو الأُمُّ -أو كلاهُما-أبناءَهُم أو أحدَهُم ولا يرعانِهِ أو يهتمّانِ لشؤونِهِ، وكذلكَ يقَعُ الحِرمانُ العاطِفيُّ في الحياةِ الزَّوجيّةِ بصورةٍ مُوجِعَةٍ لأحدِهِما أو لكلَيهِما، وينتِجُ عنهُ خلافاتٌ عميقةٌ وإفرازاتٌ سَلبيّةٌ …
- الحِرمانُ المادِّيّ: وهوَ أكثَرُ الصُّوَرِ انتشاراً في الحياةِ الاجتماعيّةِ، مُتَمثِّلاً بالفَقرِ والعَوَزِ والجُّوعِ والتَّشَرُّدِ لأجلِ العَيشِ …أو سَبَبُهُ بُخلُ الأبِ على أُسرَتِهِ وزَوجَتِهِ وعِيالِهِ أو تقصيرِهِ في إعالَتِهِم وإشباعِ حاجاتِهِمُ الماديَّةِ.
- الِحرمانُ الصِّحيّ بسببِ الأمراضِ: يُعاني كثيرٌ مِنَ الناسِ ضَعفَ المناعَةِ وعَدمَ تَمَتُّعهم بالعافِيَةِ، فيمرَضونَ كثيراً وتنالُ مِنهُم الأوبِئَةُ بسُرعَةٍ، فتنهَكُ قُواهُم وتجعَلُهُم محرومِينَ مِن تاجِ الصِّحَّةِ فيُعانونَ مِنَ الأمراضِ المُزمِنَةِ وتناوُلِ العَقاقيرِ بصورةٍ مُستَمِرَّةٍ لتستَمِرَّ حياتُهُم الصِّحيَّةُ بصورةٍ جَيِّدَةٍ
- الحِرمانُ الجَّسَديُّ: العَوَقُ والعَاهاتُ: وهوَ مِن أشَدِّ حالاتِ الحِرمانِ القاهِرِ الذي يكونُ بسَببِ وِلادِيٍّ أو نتيجةَ تَعرُّضِهِم لحوادِثَ عنيفةٍ جَعَلتهُم يخسرونَ بعضَ أعضائِهِم أو سَلَبَتهُم القُدرةَ على أداءِ بعضِ الوظائِفِ البَدَنيّةِ كالمَشيِّ أو النُّطقِ أو السَّمعِ مِثلاً …
- الحِرمانُ الأخلاقيِّ: يُعاني البعضُ مِن أزَماتِ نَقْصٍ وشُعورٍ بالدُّونِ فيتَصَرَّفونَ بنحوٍ سَيّءٍ كالتَكَبُّرِ والنَّميمَةِ والحَسَدِ والتَّنَمّرِ والسَّرِقَةِ وغيرِها، وسَبَبُها الحِرمانُ مِنَ المُرَبّي الفاضِلِ والصَّالِحِ والبيئَةِ النَّقيّةِ الفاضِلَةِ …
- الحِرمانُ مِنَ الوَطَنِ: وهوَ التَّغَرُّبُ القَهريُّ بسببٍ سياسيٍّ أو لأسبَابِ العَمَلِ والمَعيشَةِ فيشعُرُ الإنسانُ بالحَنينِ لوَطَنِهِ لأنّهُ حُرِمَ مِن شَمِّ هوائِهِ، والعَيشِ على تُرابِهِ، والأُنْسِ بأبناءِ وَطَنِهِ، فيبقى أسيرَ الحِرمانِ في أيِّ بلَدٍ خارجَ وَطَنِهِ كانَ.
- الحِرمانُ العائليُّ والأُسَرِيُّ: الأُسرَةُ حينَما يَطالُها التَّفَكُّكُ والتَّمَزُّقُ نتيجةَ انفصالِ الأبوَينِ أو لأسبابٍ قاهِرَةٍ أُخرى فإنَّ الشُّعورَ بالحِرمانِ يتَعَمَّقُ في نُفوسِ الأبناءِ وباقي العائِلَةِ؛ تجُاهَ اجتماعِ الأُسرَةِ وأجوائِها الجَميلَةِ …
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.