كيفَ تُمرِّنُ عقلَكَ ليلحَظَ اللونَ الرَّماديَّ؟!

0
7
كيفَ تُمرِّنُ عقلَكَ ليلحَظَ اللونَ الرَّماديَّ؟!

 

يَميلُ بعضُ الأشخاصِ إلى التفكيرِ بطريقةِ (إمّا أبيضٌ أو أسود) ولا يحتَمِلُ وجودَ لونٍ يتوسَّطُ بينَهُما!

وهيَ تشبَهُ طريقةَ التفكيرِ المنطقيِّ المعروفةَ بالقِسمَةِ الثانيةِ: طريقةُ الترديدِ بينَ النَّفيِّ والإثباتِ، والتي مِن خِلالِها يَتِمُّ تقسيمُ بعضِ المفاهيمِ إلى عناصِرِها كتقسيمِ الحَيوانِ إلى ناطقٍ وغيرِ ناطقٍ، والكلِمَةُ إمّا إسمٌ أو فِعلٌ أو حَرفٌ … وهذا الأسلوبُ مِنَ التَّفكيرِ يكونُ نافِعاً في القَضايا العِلميّةِ والفَلسَفيّةِ ولا يُمكِنُ أنْ يكونَ نافعاً دائماً في العَلاقاتِ الاجتماعيّةِ.

فمِن غيرِ الصَّحيحِ أنْ يُفكِّرَ الزوجانِ بطريقةِ (إمّا أبيضٌ أو أسوَد) دونمَا أنْ يحتَمِلا وجودَ (لونٍ رَماديٍّ)

فإمّا أنْ تكونَ زوجةً صالحةً بدرجةِ 100%(مئةٍ في المئة) أو لا ؟!

وإمّا أنْ يكونَ الطالبُ شاطراً بدرَجَةِ 100% (مئةٍ في المئة) أو هُوَ فاشِلٌ؟

وإمّا أنْ يكونَ صديقي كامِلاً مِنَ العُيوبِ أو لا ؟؟

وإمّا أنْ يكونَ الموظَّفُ ماهِراً بدَرَجةِ 100% (مئةٍ في المئة) أو هُوَ مرفوضٌ؟

فَهُم يُفَكِّرونَ بطريقةٍ مُغلَقَةٍ تَماماً!

هذا المنطِقُ في التَّعامُلِ والعَلاقاتِ الاجتماعيّةِ دائماً ما يُوقِعُ أصحابَهُ في مَشاكِلَ وأزَمَاتٍ نفسيّةٍ وأخلاقِيّةٍ وأُسَريّةٍ واجتماعيّةٍ !!!

فتَفشَلُ حياتُهُم الزَّوجيّةُ لأتفَهِ سَبَبٍ، ويَنفِرُ مِنهُمُ الأصدِقاءُ، ويكونونَ عُرضَةً للصِّداماتِ .. ويستولي عليهِم التَّوتُّرُ والتَّشنُّجُ في طريقةِ التّعامُلِ معَ الآخرينَ … لأنَّهُم يُفضِّلونَ أنْ تكونَ الإجابةُ بلونٍ واحِدٍ إمّا أبيضٌ أو أسودٌ !!!

وحتى تُمرّنَ عقلكَ لتتخلَّصَ مِن هذا الأُسلوبِ الجافِّ والمُنفِّرِ عليكَ أنْ تفتَحَ العُقَدَ التي تُقيِّدُ تفكيرَكَ وأنْ تُمرِّنَ ذهنَكَ في التّوقُّعِ والاحتمالِ – وبتعبِيرِنا-رؤيةِ اللّونِ الرَّماديِّ الذي يتوسَّطُ الأبيضَ والأسوَدَ؛ إليكَ ثلاثةَ نُقاطٍ تُساعِدُكَ على تَمرينِ عَقلِكَ: –

  • اعكِسِ الفِكرَةَ على نَفسِكَ وكَرِّرْ العِبارَةَ الآتِيَةَ ” ماذا لَو كُنتُ أنَا في مَحَلِّ هذا الشَّخصِ “ كأنْ تكونَ زوجَتَكَ أو زوجَكِ أو صديقَكَ أو تِلميذَكَ، ماهِيَ الظّروفُ المُتوَقَّعَةُ والتي يُمكِنُ أنْ تكونَ سَبَباً لِكَي تَعذِرَهُ عَليها، ومُمكِنٌ أنْ يكونَ مَحمَلاً تَحمِلُهُ عليهِ قَد مَرَّ فيهِ.
  • اجعَلْ نفسَكَ مَكانَهُ وتَحسَّسْ ظُروفَهُ، فهذا سيفتَحُ أمامَكَ نوافِذَ التّفكيرِ المَرِنِ وتَتَخَلَّصُ مِنَ التَّوتُّرِ والغَضَبِ!

– التغذِيَةُ الدينيّةُ والأخلاقِيّةُ، حيثُ أكَّدَتْ رواياتٌ كثيرَةٌ عَنِ النَّبيِّ الأكرَمِ -صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ-والعِترَةِ الهادِيَةِ -عليهُمُ السَّلامُ-على ضَرورَةِ التّفكيرِ المَرِنِ وحُسنِ الظَّنِّ وعَدَمِ المُسارَعَةِ الى اتِّهامِهِم؛ مِنها:

-عَنِ الإمامِ عَليٍّ -عليهِ السّلامُ-: (لا تَصرِمْ أخاكَ على ارتِيابٍ، ولا تَقطَعْهُ دونَ استِعتَابٍ، لعَلَّ لَهُ عُذراً وأنتَ تَلومُ بهِ..).

وعَنِ الإمامِ عليٍّ -عليهِ السّلامُ-: (مَن ساءَ ظَنُّهُ ساءَ وَهمُهُ).

وعنهُ -عليهِ السّلامُ-: (مَن ساءَتْ ظُنونُهُ اعتقَدَ الخيانَةَ بِمَنْ لا يَخونُهُ).

وقد اشتهرَ بينَ النّاسِ عِبارَةُ (احمِلْ أخاكَ على سَبعِينَ مَحمَلاً مِنَ الخَيرِ) وهوَ وإنْ لَمْ يَكُنْ حَديثاً شَريفاً إلّا أنّهُ دعوةٌ الى ضَرورَةِ تَعويدِ النَّفسِ عَلى عَدَمِ التَّعجُّلِ في حَصرِ الآخرَينَ بينَ لَونَينِ (أسوَدٍ أو أبيَضٍ)!

تذكَّرْ عواقِبَ عَلاقاتِكَ الاجتماعيّةَ؛ وكيفَ آلتْ أحوالُها؛ أ إلى خَيرٍ وإيجابٍ أم إلى سُوءٍ ومشاكِلَ وخَرابٍ ؟! كَرِّرْ على نَفسِكَ هذا التفكيرَ حتى تُقَلِّلَ مِن حِدّةِ التفريعِ الثُنائيِّ إلى تَوقُّعِ احتمالاتٍ أُخرى.

 


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد