إزالة الآثار التي تؤدي الى الغضب

0
46


علاجه يتوقف على أمور : (الأول) إزالة أسبابه المهيجة له ، إذ علاج كل علة

بحسم مادتها ، و هي : العجب ، و الفخر و الكبر، و الغدر، و اللجاج ، و المراء ، و المزاح ، و الاستهزاء ، و التعيير، و المخاصمة ، و شدة الحرص على فضول الجاه و الأموال الفانية ، و هي بأجمعها أخلاق ردية مهلكة ، و لا خلاص من الغضب مع بقائها ، فلا بد من إزالتها حتى تسهل إزالته ، (الثاني) أن يتذكر قبح الغضب و سوء عاقبته ، و ما ورد في الشريعة من الذم عليه ، كما تقدم (الثالث) أن يتذكر ما ورد من المدح و الثواب على دفع الغضب في موارده ، و يتأمل فيما ورد من فوائد عدم الغضب كقول النبي (صلى اللَّه عليه و آله و سلم) -: «من كف غضبه عن الناس كف اللَّه تبارك و تعالى عنه عذاب يوم القيامة».

وقول الباقر (عليه السلام ) : «مكتوب في التوراة : فيما ناجى اللَّه به موسى : أمسك غضبك عمن ملكتك عليه أكف عنك غضبي».
وقول الصادق (عليه السلام ) : «أوحى اللَّه تعالى إلى بعض أنبيائه : يا بن آدم! اذكرني في غضبك أذكرك في غضبي و لا أمحقك فيمن أمحق ، و إذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك ، فإن انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك».

و قوله (عليه السلام ) : «سمعت أبي يقول : أتى رسول اللَّه ( صلى اللَّه عليه و آله و سلم ) رجل بدوي : فقال : إني أسكن البادية ، فعلمني جوامع الكلم ، فقال : آمرك ألا تغضب.
فأعاد الأعرابي عليه المسألة ثلاث مرات ، حتى رجع الرجل إلى نفسه ، فقال : لا أسألك عن شي‏ء بعد هذا ، ما أمرني رسول اللَّه ( صلى اللَّه عليه و آله ) إلا بالخير».
وقوله (عليه السلام ) : «إن رسول اللَّه ( صلى اللَّه عليه و آله ) أتاه رجل ، فقال : يا رسول اللَّه! علمني عظة أتعظ بها فقال له : انطلق و لا تغضب ، ثم عاد عليه ، فقال له : انطلق و لا تغضب ، ثلاث مرات».
و قوله (عليه السلام ) : «من كف غضبه ستر اللَّه عورته» ، إلى غير ذلك من الأخبار.

(الرابع) ان يتذكر فوائد ضد الغصب ، أعني الحلم و كظم الغيظ ، و ما ورد من المدح عليهما في الأخبار و يواظب على مباشرته و لو بالتكلف ، فيتحلم و إن كان في الباطن غضبانا ، و إذا فعل ذلك مدة صار عادة مألوفة هنيئة على النفس فتنقطع عنها أصول الغضب.
(الخامس) أن يقدم الفكر و الرواية على كل فعل أو قول يصدر عنه ، و يحافظ نفسه من صدور غضب عنه.
(السادس) أن يحترز عن مصاحبة أرباب الغضب ، و الذين يتبجحون بتشفي الغيظ و طاعة الغضب ، و يسمون ذلك شجاعة و رجولية ، فيقولون : نحن لا نصبر على كذا و كذا ، و لا نحتمل من أحد أمرا ، و يختار مجالسة أهل الحلم ، و الكاظمين الغيظ ، و العافين عن الناس.
(السابع) أن يعلم أن ما يقع إنما هو بقضاء اللّه و قدره ، وأن الأشياء كلها مسخرة في قبضة قدرته ، و أن كل ما في الوجود من اللّه ، و أن الأمر كله للّه ، و أن اللَّه لا يقدر له ما فيه الخيرة ، و ربما كان صلاحه في جوعه ، أو مرضه ، أو فقره ، أو جرحه أو قتله ، أو غير ذلك.
فإذا علم بذلك غلب عليه التوحيد ، و لا يغضب على أحد ، و لا يغتاظ عما يرد عليه ، إذ يرى – حينئذ- أن كل شي‏ء في قبضة قدرته أسير، كالقلم في يد الكاتب.
فكما أن من وقع عليه ملك بضرب عنقه لا يغضب على القلم ، فكذلك من عرف اللَّه و علم أن هذا النظام الجميل صادر منه على وفق الحكمة و المصلحة ، و لو تغيرت ذرة منه عما هي عليه خرجت عن الأصلحية ، لا يغضب على أحد ، إلا أن غلبة التوحيد على هذا الوجه كالكبريت الأحمر و توفيق الوصول إليه من اللَّه الأكبر ، و لو حصل لبعض المتجردين عن جلباب البدن يكون كالبرق الخاطف ، و يرجع القلب إلى الالتفات إلى الوسائط رجوعا طبيعيا ، و لو تصور دوام ذلك لأحد لتصور لفرق الأنبياء ، مع أن التفاتهم في الجملة إلى الوسائط مما لا يمكن إنكاره.
(الثامن) أن يتذكر أن الغضب مرض قلب و نقصان عقل ، صادر عن ضعف النفس و نقصانها ، لا عن شجاعتها و قوتها ولذا يكون المجنون أسرع غضبا من العاقل ، و المريض أسرع غضبا من الصحيح ، و الشيخ الهرم أسرع‏ غضبا من الشاب ، و المرأة أسرع غضبا من الرجل ، و صاحب الأخلاق السيئة و الرذائل القبيحة أسرع غضبا من صاحب الفضائل.
فالرذل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة ، و البخيل يغاظ لبخله إذا فقد الحبة ، حتى يغضب لقد أدنى شي‏ء على أعزة أهله و ولده ، و النفس القوية المتصفة بالفضيلة أجل شأنا من أن تتغير و تضطرب لمثل هذه الأمور ، بل هي كالطود الشاهق و لا تحركه العواصف ، و لذا قال سيد الرسل ( صلى اللَّه عليه و آله و سلم ) -: «ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».
وإن شككت في ذلك فافتح عينيك و انظر إلى طبقات الناس الموجودين ، ثم ارجع إلى كتب السير و التواريخ ، و استمع إلى حكايات الماضين ، حتى تعلم : أن الحلم و العفو و كظم الغيظ شيمة الأنبياء و الحكماء و أكابر الملوك و العقلاء ، و الغضب خصلة الجهلة و الأغبياء.
(التاسع) أن يتذكر أن قدرة اللَّه عليه أقوى و أشد من قدرته‏ على هذا الضعيف الذي يغضب عليه ، و هو أضعف في جنب قوته القاهرة بمراتب غير متناهية من هذا الضعيف في جنب قوته ، فليحذر، و لم يأمن إذا أمضى غضبه عليه أن يمضى اللَّه عليه غضبه في الدنيا و الآخرة ، و قد روي : «أنه ما كان في بني إسرائيل ملك إلا و معه حكيم ، إذا غضب أعطاه صحيفة فيها : (ارحم المساكين ، و اخش الموت ، و اذكر الآخرة) ، فكان يقرأها حتى يسكن غضبه».
و في بعض الكتب الإلهية : «يا ابن آدم! اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب ، فلا امحقك فيمن أمحق» .
(العاشر) أن يتذكر أن من يمضي عليه غضبه ربما قوى و تشمر لمقابلته و جرد عليه لسانه بإظهار معائبه و الشماتة بمصائبه ، و يؤذيه في نفسه و أهله و ماله و عرضه.
(الحادي عشر) أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الغيظ و الغضب‏ فإن كان خوف الذلة و المهانة و الاتصاف بالعجز و صغر النفس عند الناس ، فليتنبه أن الحلم و كظم الغيظ و دفع الغضب عن النفس ليست ذلة و مهانة ، و لم يصدر من ضعف النفس و صغرها ، بل هو من آثار قوة النفس و شجاعتها و أضدادها تصدر من نقصان النفس و خورها ، فدفع الغضب عن نفسه لا يخرجه من كبر النفس في الواقع ، و لو فرض خروجه به منه في أعين جهلة الناس فلا يبالي بذلك و يتذكر أن الاتصاف بالذلة و الصغر عند بعض أراذل البشر أولى من خزي يوم المحشر و الافتضاح عند اللَّه الملك الأكبر وإن كان السبب خوف أن يفوت منه شي‏ء مما يحبه ، فليعلم أن ما يحبه و يغضب لفقده إما ضروري لكل أحد ، كالقوت و المسكن و اللباس و صحة البدن ، و هو الذي أشار إليه سيد الرسل ( صلى اللَّه عليه و آله و سلم‏) بقوله : «من أصبح آمنا في سربه ، معافى في بدنه ، و له قوت يومه ، فكأنما خيرت له الدنيا بحذافيرها» ، أو غير ضروري لأحد ، كالجاه و المنصب و فضول الأموال.
او ضروري لبعض الناس دون بعض ، كالكتاب للعالم ، و أدوات الصناعات لأربابها ، و لا ريب أن كل ما ليس من هذه الأقسام ضروريا فلا يليق أن يكون محبوبا عند أهل البصيرة و ذوي المروات ، إذ ما لا يحتاج إليه الإنسان في العاجل لا بد له من تركه في الآجل ، فما بال العاقل أن يحبه و يغضب لفقده و إذا علم ذلك لم يغضب على فقد هذا القسم البتة ، و أما ما هو ضروري للكل أو البعض ، و إن كان الغضب و الحزن من فقده مقتضى الطبع لشدة الاحتياج‏ إليه ، إلا أن العاقل إذا تأمل يجد أن ما فقد عنه من الأشياء الضرورية إن أمكن رده و الوصول إليه يمكن ذلك بدون الغيظ و الغضب أيضا ، و إن لم يمكن لم يمكن معهما أيضا.
و على أي حال بعد التأمل يعلم أن الغضب لا ثمرة له سوى تألم العاجل و عقوبة الآجل ، و حينئذ لا يغضب ، و إن غضب يدفعه عن نفسه بسهولة.
(الثاني عشر) أن يعلم أن اللَّه يحب منه ألا يغضب ، و الحبيب يختار البتة ما يحب محبوبه ، فإن كان محبا للَّه فليطفئ شدة حبه له غضبه.
(الثالث عشر) أن يتفكر في قبح صورته و حركاته عند غضبه ، بأن يتذكر صورة غيره و حركاته عند الغضب.
(تتميم‏)
أن بعض المعالجات المذكورة يقتضى قطع أسباب الغضب و حسم مواده ، حتى لا يهيج و لا يصدر، و بعضها يكسر سورته أو يدفعه إذا صدر و هاج.
و من علاجه عند الهيجان الاستعاذة من الشيطان ، و الجلوس إن كان قائما ، و الاضطجاع إن كان جالسا ، و الوضوء أو الغسل بالماء البارد ، و إن كان غضبه على ذي رحم فليدن منه و ليمسه ، فإن الرحم إذا مست سكنت ، كما ورد في الأخبار.

 



المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد