استئذانُ النبيِّ (ص) لقبضِ روحِه الطاهرة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
هل حقَّاً تُوجد لدينا رواياتٌ عن أهلِ البيت (ع) تدلُّ على أنَّ اللهَ تعالى قد خيَّر نبيَّه الكريم (ص) بين قَبضِ روحِه الطاهرة وبين البقاءِ إلى أمَد، وأنَّه (ص) استُئذنَ قبل قَبضِ روحِه فلمَّا أذِنَ قَبضَ ملَكُ الموتِ روحَه الطاهرة (ص)؟
الجواب:
نعم ورد ذلك في الروايات الواردة عن أهل البيت (ع):
منها: ما ورد في كتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق بسندٍ موثَّق إلى أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: “لمَّا حضرتْ النبيَّ (ص) الوفاةُ نزلَ جبرئيلُ (ع) فقال: يا رسولَ الله هل لك في الرجوعِ إلى الدنيا؟ فقال: لا، قد بلَّغتُ رسالاتِ ربِّى، فأعادها عليه، فقال: لا، بل الرفيق الاعلى ..”(1).
ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق في الأمالي بسنده عن عبد الله بن ميمون المكي، قال: حدَّثنا جعفر بن محمَّدٍ، عن أبيه، عن عليِّ بن الحسين (ع)، أنَّه دخل عليه رجلانِ من قريش، فقال: ألا أُحدِّثكما عن رسولِ الله (ص)؟ فقالا: بلى، حدِّثْنا عن أبي القاسم. قال: سمعتُ أبي (ع) يقول: لمَّا كان قبل وفاة رسولِ الله (ص) بثلاثةِ أيام هبط عليه جبرئيلُ، فقال: يا أحمد، إنَّ اللهَ أرسلني إليك إكراماً وتفضيلاً لك وخاصة، يسألُك عمَّا هو أعلمُ به منك، يقولُ: كيف تجدُك يا محمَّد؟ قال النبيُّ (ص): أجدُني -يا جبرئيلُ- مغموماً وأجدُني -يا جبرئيلُ- مكروباً. فلمَّا كان اليومُ الثالث هبط جبرئيلُ وملَكُ الموت، ومعهما ملَكٌ يُقال له: إسماعيلُ في الهواء على سبعينَ ألف ملَك، فسبقهم جبرئيلُ (ع)، فقال: يا أحمدُ، إنَّ الله عزَّ وجلَّ أرسلني إليك إكراماً لك وتفضيلاً لك وخاصَّة، يسألُك عمَّا هو أعلمُ به منك. فقال: كيف تجدُك يا محمد؟ قال: أجدُني -يا جبرئيلُ- مغموماً، وأجدُني -يا جبرئيلُ- مكروباً. فاستأذنَ ملَكُ الموت، فقال جبرئيلُ: يا أحمدُ، هذا ملَكُ الموتُ يستأذنُ عليك، لم يستأذنْ على أحدٍ قبْلَك، ولا يستأذنُ على أحدٍ بعدك. قال: ائذنْ له. فأذِنَ له جبرئيلُ (ع)، فأقبَلَ حتى وقفَ بين يدَيه، فقال: يا أحمدُ، إنَّ اللهَ أرسلني إليك، وأمرني أنْ أُطيعَك فيما تأمُرُني، إنْ أمرتني بقبضِ نفسِك قبضتُها، وإنْ كرهتَ تركتُها. فقال النبيُّ (ص): أتفعلُ ذلك يا ملَكَ الموتِ؟ قال: نعم، بذلك أُمرتُ أنْ أُطيعكَ فيما تأمُرُني.
فقال له جبرئيلُ (ع): يا أحمدُ، إنَّ الله تبارك وتعالى قد اشتاقَ إلى لقائِك. فقالَ رسولُ الله (ص): يا ملَكَ الموتِ، امضِ لِمَا أُمرتَ به. فقال جبرئيلُ (ع): هذا آخر وطئي الأرضَ، إنَّما كنتَ حاجتي من الدنيا. فلمَّا تُوفِّي رسولُ الله صلَّى الله على روحه الطيِّب، جاءت التعزيةُ، جاءهم آتٍ يسمعونَ حِسَّه، ولا يرونَ شخصَه، فقال: السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ إنَّ في اللهَ عزَّ وجلَّ عزاءً مِن كلِّ مصيبةٍ، وخلَفَاً من كلِّ هالك، ودَرَكاً من كلِّ ما فات، فباللهِ فثِقُوا، وإيَّاه فارْجُوا، فإنَّ المُصابَ مَن حُرمَ الثواب، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه. قال عليُّ بنُ أبي طالبٍ (ع): هل تدرونَ مَن هذا؟ هذا الخَضرُ (ع)”(2).
أورد هذا الحديثَ الطبراني في كتاب الدعاء(3) وكتاب المعجم الكبير(4) والبيهقي في دلائل النبوة(5) وابن سعد في الطبقات الكبرى(6) وغيرُهم.
وأورد العامَّةُ رواياتٍ عديدة أخرى بعضها في صحيح البخاري ومسند أحمد صريحةً في تخيير الرسول (ص) بين البقاء إلى أمَدٍ وبين الرحيل إلى ربِّه جلَّ وعلا فاختار الرحيلَ إلى الرفيق الأعلى، فتخييرُ الرسولِ (ص) في ذلك ثابتٌ لدى الفريقين.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.