النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) صورته وصفاته في القرآن الكريم انموذجا .

0
19

   القرآن الكريم هو اقدس كتاب انزله الله على النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) لهداية الناس وإرشادهم وتزكيتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فهو دستور جميع البشرية من زمن نزوله إلى الأبدية، والفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل، والتبيان لكل شيء، والهادي لسبل الخير والصلاح ، والمحذر عن كل شر وضلال , الرابط بين الخالق وخلقه ، والمبين لأحكام الله وشرائعه، الكتاب الذي أعجز  الجن والأنس  أن يؤتوا بمثله حتى سورة واحدة .

وبما إن القرآن الكريم المصدر الأول في التبليغ الإسلامي للبعثة النبوية الشريفة , فقد أكد النبي الاكرم محمد(صلى الله عليه واله) على تدبره عند القراءة أي فهم ما يتلى منه, انه قال(صلى الله عليه واله) :”يا معاشر قراء القرآن اتقوا الله  فيما حملكم من كتابه , فأني مسؤول وأنكم مسؤولون , إني مسؤول عن تبليغ الرسالة ,أما انتم فتسألون عما حملتم من كتاب الله وسنتي”[1]. ولذلك نجد خطاب النبي الاكرم موجه إلى قراء القرآن فأمرهم بتقوى الله، وذلك لأنه مسؤول عن القرآن وتبليغهم الرسالة , وهم  مسؤولون على ما قرأوه  في كتاب الله  هذه الضابطة الأولى التي أشار إليها النبي الاكرم  في كيفية التعامل مع نصوص القرآن الكريم في حياته.

انطلاقا من ذلك لقد حبا الله (عز وجل) النبي الاكرم بالرعاية الشاملة منذ اللحظة الاولى لولادته، وهيأ له من الامور ما يؤهل شخصيته لتحمل اعباء الدعوة الخاتمة للرسالات الموجه للعالمين ، وهو الشفاعة العظمى يوم الدين، زكاه الله (عز وجل) وكرمه وادبه ثم اتخذه صفيه وحبيبه ووفق للاقتداء به من اراد تهذيبه. ونبين بإيجاز صورة النبي الاكرم ، وصفاته في القرآن الكريم ويمكن اجمالها على النحو الاتي :

النسب الشريف :

وردت روايات كثيرة تفيد طهارة نسبه  من النبي آدم (عليه السلام) إلى جده عبد المطلب وأولاده عبد الله  وأبا طالب[2]  جاء ذلك في تفسير قوله تعالى)  وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً([3]  وقال (صلى الله عليه واله):” أن الله  خلق آدم وخلق معه  نطفة من الماء فمزجها بنوره  ثم أودعها آدم ثم ابنه شيت ثم أنوش ثم اباً فأباً حتى أودعها إبراهيم ثم إسماعيل  أماً فأماً فأباً من طاهر الأصلاب إلى مطهرات الأرحام حتى صارت إلى عبد المطلب، فأفترق ذلك النور فرقتين:  إلى عبد الله فولد محمداً، وفرقة إلى أبي طالب فولد علياً” [4] .                                                

وما رواه الامام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) يتطابق تماماً مع قوله تعالى ] وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ( [5] أي ينقلك من طاهر إلى طاهر, يعني في أصلاب النبيين, وقوله (صلى الله عليه واله):”لم يزل ينقلني من أصلاب الطاهرين, إلى أرحام المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا ” [6].

 خلق النبي الاكرم (صلى الله عليه واله):

أما كيفية خلق النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) روى عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام) قال:” كان الله لا شيء غيره , ولا معلوم , ولا مجهول , فأول ما ابتدأ من خلق خلقه, أن خلق محمداً  “[7] .

وكانت الطينة التي خلق منها النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) مميزه عن غيرها, وهذا ما قاله الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): ” يا جابر أن الله خلق الناس ثلاث أصناف وهو قول الله تعالى ]كُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً* فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ* وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ* وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ( فالسابقون هو رسول الله وخاصة الله من خلقه جعل فيهم خمسة أرواح أيدهم بروح القدس فيه بعثوا أنبياء وأيدهم بروح الإيمان وبه خافوا الله وأيدهم بروح القوة وبه قووا على طاعة الله، وكرهوا معصيته وجعل فيهم روح المدرج الذي يذهب به الناس ويجيئون وجعل في المؤمنين أصحاب الميمنة روح الإيمان وبه خافوا الله وجعل فيهم روح القوة وبه قووا على الطاعة من الله وجعل فيهم روح المدرج التي يذهب الناس به ويجيئون” [8].

جمال المظهر:

وقد امتاز النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) بصفات كثيرة ، فقد جمع في شخصه عناصر الجمال، يهمنا منها ما رواه جابر الجعفي:” قلت للإمام الباقر (عليه السلام) : صف لي نبي الله  ” فقال (عليه السلام): ” كان ابيض مشرب  بحمرةٍ , ادعج  العينين , مقرون  الحاجبين ، شثن  الإطراف ، كأن الذهب افرغ على براثنه ، عظيم مشاشة  المنكبين، إذا التفت يلتفت جميعاً من شد استرساله ، سربته سائله من لبته إلى سرته ، كأنها وسط الفضة المصفاة ، وكأن عنقه إلى كاهله ابريق فضة ، يكاد انفه إذا شرب أن يرد الماء وإذا مشى تكفأ كأنه ينزل في صبب لم ير مثل نبي الله  قبله ولا بعده” [9] . وفي رواية أخرى  عن عامر بن وائله بن عبد الله بن عمرو الليثي الكناني الحجازي الصحابي المحب لأمير المؤمنين  بقوله :”رأيت رسول الله  يوم فتح مكة ، فما انسى بياض وجهه مع سواد شعره ، فقلت  لأمي من هذا” ؟ فقالت : “هذا رسول الله [10] .

صفة النّبيّ الاكرم الإنسانيَّة:

ومن خلال ما يثيره في النفس الإنسانيّة من البشارة والخوف قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً﴾، فهو الدّاعي إلى الله برسالته، وهو المبشّر بالجنّة لمن آمن وأطاع، وهو المنذر بالنّار لم كفر وعصى، وهو الشّاهد على الناس فيما يتحركون فيه على خطِّ الاستقامة أو الانحراف، ليشهد أمام الله بكلّ ما رآه. وهو السِّراج الّذي يضيء للنّاس برسالته من خلال الرّسالة الّتي كلّها نور وضياء، ولذا كان دوره أن يخرج النَّاس من الظّلمات إلى النّور، لأنّه السِّراج المنير بعقله وقلبه وروحه وحياته.[11] وكما يصور لنا القرآن الكريم كيف كان النبيّ الاكرم (صلى الله عليه واله) يتحدَّث مع النّاس ليربطهم بالرسالة، بعيداً عن أيّ تأثيرٍ آخر، لأنّه لو جاء وبيده خزائن الأرض، لقيل إنَّ الناس اتبعوه لماله، ولو حدّث الناس بالغيب، لقيل إنّه استلب وجدانهم من خلال الغيب الَّذي يترك تأثيره في نفوسهم، ولو كان ملكاً، لقيل إنَّ ملائكيّته هي التي تركت تأثيرها فيهم.

أخلاق النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله):

يمكن القول ان بعض الصّور القرآنيَّة الّتي يمكن نستجلي منها صورة النّبيّ الاكرم محمد (صلى الله عليه واله)، بقوله تعالى يقول تعالى﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾ [12]، لقد كان (صلى الله عليه واله) اللّين في قلبه الّذي يفيض بالسَّماحة، فلا يحمل سوءاً ولا قسوةً لأحد، واللّين في لسانه بكلماته العذبة الّتي تفتح قلوب النّاس عليه وعلى رسالته. بالإضافة الى ذلك فقد جاء من أجل أن يحطّم كلّ أغلال الحقد والبغضاء والشرك والكفر والتخلّف والجهل وغيرها.

نستنتج من ذلك.. اشار العلماء الى ان خصال الكمال والجلال اذا وقعت منها واحد او اثنان لشخص ما اعظم قدره، وضربت باسمه الأمثال، فيقال احلم من الاحنف، واكرم من حاتم ، واذكى من اياس…. فكيف بمن عظم قدره حتى اجتمعت فيه كل هذه الخصال من فضيلة النبوة، والرسالة والخلة والمحبة .

جعفر رمضان

 

[1]  مولى محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي،( بيروت: مطبعة دار الفكر ،د ت)، ج 11، ص 29

[2] علي صالح رسن المحمداوي ، أبو طالب بن عبد المطلب دراسة في سيرته الشخصية وموقفه من الدعوة الإسلامية،  (بيروت،2012)، ص12

[3] سورة الفرقان  ، الآية 54.

[4] شرف الدين الحسيني ، تأويل الآيات، (قم : مؤسسة النشر الاسلامي، 1995)،ج1،  ص 377 .

[5] سورة الشعراء ، الآية 219.

[6] أبو عبد الله محمد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، أوائل المقالات ،( بيروت , 1414 هـ)،ص 45.

[7] هاشم بن سليمان البحراني، مدينة معاجز الأئمة الأثيني عشر ودلائل الحجج على البشر ، تحقيق عزة الله  المولائي ،(بيروت: مؤسسة المعارف، 1413هـ)،ج2،ص373   .                    

[8] محمد بن الحسن الصفار ، بصائر الدرجات(قم: مكتبة الوجداني،1404هـ)، ص 466 

[9] محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني، الكافي، تحقيق: علي اكبر غفاري ، (قم: منشورات دار الكتب الإسلامية،1388هـ) ،ج 1 ، ص 265 .

[10]ابن حجر العسقلاني،  الإصابة في تمييز الصحابة ، (بغداد، 1995)، ج8 ، ص 427 .

[11] محمد حسين فضل الله ، ندوة الأسبوعيّة، ص 108

[12] آل عمران: الايه159

المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد