تقف على المرآة تراقب تلك الخطوط الجديدة التي تشق نضارة وجهها حائرة أمام زوار غير مرغوب بهم يحملونها إلى قدر تكاد تعرفه وتخافه؛ سحر مفقود، وحيوية تائهة، وزوج يتسرب من بين أصابعها ..
امرأة تجاوزت الخمسين في عين المجتمع “كخيل الحكومة” وفي عالم الطب “بداية الخطر على صحتها” وفي إحساسها “النهاية” .
تحدث الكثير عن هذه المرحلة التي تمر بها المرآة وكأنها هي دون الجنس الذكري من يمر بعمر الخمسين ووجد الطب في الاختلافات الهورمونية سبباً وراء الاهتمام بهذه المرحلة عند المرأة على وجه الخصوص حيث أنها تمر بمرحلة من التغيرات الهورمونية والفيزيولوجية والنفسية وتعرف هذه المرحلة “بسن اليأس” وتمتد لفترة عشر سنوات تقريباً هذا وقد يبدأ سن اليأس بشكل مبكر من حياة المرأة وهي بعمر الخامسة والثلاثينأو أكبر بقليل أو يتأخر إلى سن الخمسين لذلك يُعَدُّ سن اليأس خبرة شخصية، فبعض السيدات لا يشعرن سوى بتغير بسيط في أجسامهن وحالتهن المزاجية، بينما تَعُدُّ أخريات هذه التغيرات مقلقة ومثيرة للضيق، وهناك عدد قليل من السيدات لا يشعرن بأي من هذه الأعراض.. تتضمن هذه المرحلة عدم انتظام الدورة الشهرية في البداية ومن ثم توقفها بشكل نهائي وقد يسبق اضطراب الدورة مرحلة من العمر ( 35 – 40) إلى ضعف الاستجابة إلى هرمون FSH وعدم الانتظام بإفرازه كذلك نقص في مستوى هرمون الاستروجين أن التذبذب الحاصل في مستوى الهرمونات واضطراب التبويض عند المرأة يسبب عدم انتظام الدورة في مرحلة ما قبل سن اليأس. وفي مرحلة لاحقة يقل هرمون الاستروجين ويبدأ هرمون FSH بالزيادة ويصل إلى أعلى مستوى له أثناء سن اليأس ويستمر هكذا بعده ويكون عدم انتظام الدورة على شكل تباعد مواعيدها وتقل فترة الحيض أثناء كل دورة إلى أن تنقطع تماماً وعندما ينقطع الحيض لمدة ستة أشهر متواصلة وهو العلامة عن انقطاع الدورة يحدث ما يعرف بسن اليأس ويمكن التأكد مختبرياً بواسطة قياس مستوى هرمون FSH أكثر من 40 وحدة دولية لكل لتر وبسبب نقصان مستوى هرمون الاستروجين تبدأ أعضاء الجهاز التناسلي عند المرأة بالضمور حيث يضمر المبيض وأنبوب فالوب وتبدأ عضلات الرحم بالضمور وتتحول إلى أنسجة ليفية وتصبح الخلايا الطلائية المبطنة للمهبل أقل سمكاً وكذلك إفراز المهبل الذي تقل درجة الحمضية فيه ويصبح الغشاء المخاطي للأحليل ضامراً أما عضلات الحوض فتصبح ضامرة مع زيادة استرخائها مما يؤدي إلى تهدل الرحم والمهبل .
أعراض سن اليأس :
الشعور بالحرارة بالوجه والرقبة والصدر ثم تشعر بها في كل أنحاء جمسها ويصاحبها الاحمرار مع ارتفاع في درجة الحرارة 3م تستمر 1 – 3 دقيقة مصحوب بتعرق ويحدث عدة مرات في الليل والنهار ويبدأ بأشهر ما قبل سن اليأس أما الأعراض المهبلية نتيجة نقصان هرمون الاستروجين هي جفاف المهبل مما يؤدي إلى الشعور بالحرقة مع الشعور بالكآبة وقد أكدت الدراسات أن أغلب حالات الاكتئاب والإحباط في هذه السن تحيط بها أزمات منتصف العمر أو التغير الذي يطرأ على دور المرأة في الأسرة، فالأطفال يكبرون وتختلف حاجتهم للأم، والمساندة من جانب الأسرة والأصدقاء تُعَدُّ هامة في هذا السياق، وعلى الجانب الآخر قد تكتشف المرأة أن هذه المرحلة من عمرها في مرحلة حرية، وتخلص من العديد من الأعباء ومزاولة أنشطة عديدة جديدة ومفيدة. كذلك يبدأ ظهور التجاعيد على الجلد .
التأثيرات المستقبلية لنقصان الاستروجين :
1- أمراض القلب والذبحة الصدرية .
2 – تنخر وهشاشة العظام وآلام الظهر وقصر القامة .
3- الحالة النفسية: الشعور بالكآبة والقلق نتيجة عدم القدرة على الإنجاب كذلك تصبح المرأة أقل جاذبية .
إلا أن ما سبق يجب ألا يزرع الرعب والخوف في قلب المرأة من الإصابة بتلك الأمراض وهو إن دل على شيء فيدل على فوائد الدورة الشهرية التي بوجودها تشكل حماية كبيرة للمرأة وبناءً عليه أثبت الطلب أن الرجل أكثر عرضة لأمراض السرطان والسكتة القلبية والذبحة الصدرية من المرأة لافتقاده لهذه الميزة التي منّ الله بها على المرأة لفترة لا بأس بها من عمرها .
كما أن لكل مرحلة عمرية تغيراتها الهرمونية ولكل مرحلة جمالها وميزاتها والعاقل من يكيف ظروفه حسب تلك التغيرات لا أن يجعلها تتحكم به..إن سن اليأس سن الحكمة سن أصقلته التجارب، وأكسبته رصانة التفكير وصواب الهدف إلا أن المجتمع جعل من عمر الخمسين بالنسبة للمرأة كابوس يطارد خيالها ، وهو ليس إلا موروث اجتماعي بالي رسخته أفكار تعاني من المرض والقصور الفكري امتد بضآلته ليصبح أمراً مفروغاً من النقاش به وعليه بدأت تبنى النظريات والآراء والدراسات لحل مشكلة لم تكن بالمشكلة لكنها غدت بعد اجترارها أزمة نفسية واجتماعية لا بد من إيجاد حل لها .
تبعاً لذلك انعكس ذلك على المجتمع ككل فلم يقتصر على المرأة وإحساسها بتلك المشكلة إنما تخطى ذلك للرجل الذي أصبح له نظرة خاصة تجاه زوجته وهي تقدم على سن الخمسين مما أدى إلى وقوع الكثير من المآسي: زوجة طلقها زوجها بعد أربعين عاماً من الزواج دون ذنب أو خطيئة، واعترف لها الزوج أنه بعد أن تجاوز الخامسة والستين سوف يتزوج من فتاة التي لا يزيد عمرها على عمر ابنته وربما أصغر وهذه الفتاة صممت على طلاقه من زوجته، قبل أن يعقد قرانه عليها.. وطردت هذه السيدة بعد طلاقها من الشقة التي عاشت فيها ثلاثين عاماً بحكم قضائي !!
أكثر من صدمة واجهت المرأة “البائسة” بعد أن طُلقت وطُردت من مسكنها والوقوف أمام الزوج في المحاكم.. فقد حصلت على حكم نفقة بمبلغ مائتي جنيه في الشهر لمدة ثلاثة شهور فقط أي ستمائة جنيه فقط لا غير.. فهل يمكن أن يكون مثل هذا المبلغ هو التقدير العادل لنفقة مطلقة عاشت مع زوجها أربعين عاماً ؟
ولماذا صدر حكم نفقة العدة بثلاثة أشهر فقط وليس بنفقة عام كما هو معروف؟ جاءت الإجابة غاية في الغاربة، فقد اتضح أن المرأة إذا بلغت سن اليأس لا يقضي لها قانون الأحوال الشخصية إلا بنفقة ثلاثة أشهر فقط !!!
هذه المشكلة ليست حالة نادرة أو مجرد رواية أو فيلم تليفزيوني.. إنها مأساة تتكرر ونسمع عنها على جميع المستويات الاجتماعية.. وتكون الضحية “زوجة” تركها الزوج بعد أن عاشت معه سنوات الكفاح والمعاناة وبعد زواج الأولاد واستقرارهم بعيداً عن الأم والأب، وزحف آثار وتعب السنين والشيخوخة إليها، يتخلص الزوج “العجوز” من شريكة العمر التي ساندته طوال سنين البناء، ويلقي بها في الشارع وكأنها من “خيل الحكومة” التي يصدر قرار بإعدامها بعد أن أصبحت غير قادرة على العمل!! هل هذا ما تستحقه الزوجة التي أعطت زوجها زهرة شبابها ومنحته الأولاد وقامت بواجبها كاملاً كزوجة وأم ولم تقصر؟ وهل المرأة عندما تبلغ سن اليأس في نظر القانون لا تصبح في حاجة إلى الطعام والشراب والمأوى والعلاج والدواء.
إن العودة إلى شرع الله “الشريعة الإسلامية” لا يضيع حق المرأة فللمرأة في الإسلام الحق في مهر ثابت لها وحدها والذي كثيراً ما تتخلى عن أخذه أو تقوم بصرفه في شراء أساس لمنزل الزوجية إلا أن المهر يعتبر حسب الشريعة الإسلامية تأميناً لها وليس مشاركة في الجهاز، وتقدم قيمة المهر بالذهب وليس بالعملة المالية المتعامل بها، وهذا أكبر دليل على أن حقوق المرأة في الإسلام ثابتة ولا تتغير على مر العصور. هذا بالإضافة إلى النفقة التي تدفع لها بعد الطلاق، والنفقة هنا حسب شرع الله تقاس على مقدار زكاة عيد الفطر أو فدية القتل الخطأ، فعلى سبيل المثال فدية القتل الخطأ في الإسلام مقدارها مائة ناقة أربعون منها عشار، ومن هنا يجب العودة مر’ أخرى إلى تطبيق شرع الله في طقوس الزواج لحماية المرأة ، والحقوق المالية للمرأة يجب أن يكون لها مقدار ثابت كما قررها الإسلام لا تتأثر بارتفاع أو انخفاض قيمة العملة الموجودة. ويرجع تقدير تلك القيمة إلى السلطة وهنا يأتي دور القاضي الذي يحكم بالعدل، خاصة أن هذه الزوجة طلقت بعد مدة أربعين عاماً وليس أمامها فرص أخرى للبناء أو الزواج . والظاهر أن الظلم الذي تتعرض له المرأة غداً في كل مكان.. فما يحدث للمسلمين في أمريكا يثير الحزن على حال المرأة في بلد يدعون فيه العدل ترمى المرأة إذا ما تجاوزت الخمسين في الشارع مطلقة غريبة هناك ونازحة.
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.