تخيل إنه مصنوع من الزجاج وليس كالجميع قد يكون الأمر غريبا، أنه ملك والملوك مميزون إلا أن هذا التميز المفتعل لم يكن سوى نقمة أجبرته على التعامل مع جسده بشكل مختلف للحفاظ على بقاءه على قيد الحياة ليسير وسط معاونيه وهو محاط بالحديد لمنع تكسيره حتى مجرد سقوط شىء بجانبه يسبب له مزيد من الغضب والخوف من اقتراب النهاية.
تلك البداية ليست واحدة من قصص الأمراء الخيالين كالأمير الضفدع إنما واحدة من قصص الملوك الذين اعترف التاريخ بأمراضهم النفسية الخارجة عن المألوف ليكون الملك “تشارلز السادس” ملك فرنسا الشاب من أوائل الملوك في صفات التاريخ الأولى كشاهد ومريض لأحد أكثر الأمراض إثارة للفضول في تاريخ الطب النفسي “وهم الزجاج”.
على مدار 200 عام، اعتقد العشرات في أوروبا أن كل أو جزء من أجسامهم مصنوعة من الزجاج وبحاجة شديدة إلى الحماية من الكسر حتى أعلن التاريخ عن أولى الحالات الرسمية مع ملك فرنسا الشاب “تشارلز السادس” الذي تخيل أنه مصنوع بالكامل من الزجاج ليعيش فترة حكمه التي بدأت عام 1368 في “وهم الزجاج”.
بداية المرض
كانت البداية في إحدى ليالي شهر أغسطس الحارة من عام 1392 حينما قرر الملك صاحب الـ 23 عاما أن يخرج هو ومعاونيه إلى غابة بالقرب من مدينة لومان الفرنسية في مهمة للوصول إلى العدو.
ولكن لم يكن يتخيل أحد من خدام الملك تشارلز السادس ومعاونيه أن تكون نهايتهم ليس على يد العدو ولكن على يد ملكهم وليس لأنهم خانوا العهد والدولة والملك إنما لخوف الملك من الكسر.
فحينما أسقط أحد الخدم رمح بالقرب من الملك ومع رنين الرمح الصاخب ظهر على تشارلز السادس حالة من الغضب والجنون صعب على معاونيه السيطرة عليها حتى أن الملك قتل 5 من فرسانه قبل أن يقرر من معه حفاظا على حياتهم من سحب الملك من على حصانه وتقييده حتى تنتهي نوبة غضبه، بحسب موقع سكاي هستوري.
ليتم تسجيل أولى الحلقات الذهانية لتشارلز السادس الذي اشتهر بأمراضه النفسية المتعددة التي أوصلته لدرجة فشل خلالها التعرف على زوجته وأبنائه لتتنوع أعراضه النفسية من الخوف إلى الاضطهاد حتى العنف غير الطوعي وصولا بالوهم.
وهم الزجاج
قبل 17 عاما من انتهاء حكم تشارلز السادس وتحديدا في عام 1405 وصلت حالة الملك العقلية إلى درجة متأخرة فأعتقد الملك أنه مصنوع بالكامل من الزجاج وسيطر عليه الأمر حتى أنه رفض الاستحمام لمدة 5 شهور متتالية وغطى جسمه بالكامل القروح الملتهبة خوفا من تعرضه للكسر أثناء الاستحمام.
ومع كل يوم ازداد فيه المرض شدة كانت الأعراض تزداد أكثر حدة فكان يرفض أن يلمسه أي شخص ووضع القضبان الحديدية في ثيابه لحماية جسده الزجاجي من السقوط والكسر ليتم تسجيل إصابته بشكل رسمي بأكثر الأمراض النفسية غموضا “وهم الزجاج”.
تاريخ المرض
لم يكن الملك الفرنسي الشاب تشارلز السادس هو الوحيد الذي تم إعلان إصابته بمرض “وهم الزجاج” ذلك النوع الغريب من الكآبة التي تسيطر على الشخص حيث سجل التاريخ الوهم الزجاجي لأول مرة في نص طبي عام 1561 من قبل الطبيب الهولندي ليفينوس ليمنيوس.
ليثبت أن هذا المرض النفسي الذي سبب حالة من الضيق والاكتئاب الشديد والمعاناة من الارتباك والهذيان سيطر على مثقفي أوروبا خلال القرنين الـ 15 والـ 17 ليكون امتداد لمرض الخزف الذي سيطر على أوائل العصور الوسطى.
قد تعتقد أن هذا المرض ما هو إلا أساطير تاريخية في الماضي ولكن حقيقة المرض كشفها العديد من الأطباء النفسيين في العصر الحديث الذين أكدوا أن الأوهام القائمة على المواد عبر التاريخ قد تأثرت دون وعي بالتكنولوجيا والمواد الجديدة.
فعلى الرغم من أن الزجاج كان موجودا منذ آلاف السنين إلا أن هذا الوهم لم يصل إلى ذروته إلا في القرن الـ 15 حينما تم اختراع الزجاج الشفاف عديم اللون والذي كان غير شائع واعتبره الكثيرون أمرا مدهشا وساحرا، كما حدث مع رجال الخزف الذين وهموا أنفسهم أنهم مصنوعون من تلك المادة المبتكرة في العصور الوسطى حتى وصل الأمر مع القرن الـ 19 والذي شهد نوعا جديدا من الوهم وهو حالات لرجال الخرسانة الذين اعتقدوا أنهم مؤلفون من مادة العصر الجديدة.
اقرأ أيضا| حكايات| فني سقالات بدرجة مصمم.. مجسمات من مشابك الغسيل وأعواد الكبريت
خوف من الاتصال الجسدي
ومع كل تقدم تكنولوجي لأزمة وهم ومرض نفسي ولكن يظل “وهم الزجاج” ذا طابع خاص حيث أكد الأطباء أن هذا الوهم يمكن أن يكون مرتبط بالخوف من الاتصال الجسدي والرغبة في الابتعاد عن الآخرين حيث كان إصرار المريض على أنه قد يتحطم عند لمسه طريقة وهمية لخلقه حاجز مادي فعال بينه وبين الآخرين.
واعتبره البعض نوع من الحماية لجنون العظمة لديهم ليكون تفسير انكسارهم وهزيمتهم يعود إلى كونهم مصنوعون من الزجاج وبالتالي فهم عرضة للكسر.
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.