سور دمشق وأبراجها

0
29

وكان السور الروماني يمتد على خط مستقيم محدثاً شكلاً مستطيلاً منتظماً طوله ۱۳٤۰ متراً وعرضه ۷٥۰ متراً، وكان يحوي مساحة تقدر بمائة هكتار، وهي مقسمة إلى جزر مستطيلة يبلغ بُعدُ كلٍّ منها ۱۰۰ مضروبة بـ ٤٥ متراً. مفصولة عن بعضها البعض بشوارع تتجه من الشمال إلى الجنوب أو من الشرق إلى الغرب.

وضم السور الروماني سبعة أبواب هي: الباب الشرقي، باب توما، باب السلام، باب الفراديس، باب الجابية، الباب الصغير، باب كيسان.

أما السور الحالي فهو مختلف عن السور الروماني، الذي رُمّم عدة مرات للخراب الذي أصابه على مر العصور، فعندما احتل العباسيون دمشق في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة (۱۳۲ هـ / ۷٤۹م) قام عبد الله بن علي الذي دخل المدينة في عهد أبي العباس السفّاح بتخريب السور ولم يترك منه سوى قطعة صغيرة تمتد بين باب توما وباب السلام.

وأُهمِل السور طوال العهد العباسي، وزاد تخريبه إبان الثورات المتلاحقة أيام الإخشيديين والفاطميين والسلاجقة. إلى أن أعاد الفاطميون بناءه في القرن العاشر أول مرة، وبناه نور الدين محمود بن زنكي مرة ثانية، وأخيراً تم استكمال بناء السور على يد الأيوبيين.

كان هناك خندق يحيط بالسور من جهاته الثلاث الشرقية والجنوبية والغربية، وكثرة الأنهار في الجهة الشمالية منعت حفر الخندق من تلك الجهة.

حُيّد السور الحالي عن تخطيطه الروماني وذلك رغبة في دعمه، وجعله متفقاً مع اتساع المدينة وامتدادها، وعلى يد الأيوبيين جددت تحصيناته وتم توسيعه خصوصاً من الجهة الشمالية، حيث جعلوه يحاذي مجرى بردى الأصلي، بدلاً من أن يحاذي كما كان سابقاً نهر عقربا الذي لم يعد يحاذيه إلا بعد باب السلام. ولما أتى المماليك ثم العثمانيون، قاموا كذلك بإصلاح ما تداعى من منشآته.

وإذا لم يكن في الإمكان اليوم تحديد المراحل المتعاقبة التي مر بها منذ تحوله عن تخطيطه المستطيل القديم، إلى تخطيطه المتعرج الحالي، إلا أنه يمكن تبيان كل المراحل التاريخية التي تم فيها بناء الأقسام المتبقية من السور، فصفوف أحجاره السفلية الضخمة التي أُخذت من السور القديم يعود عهدها إلى ما قبل القرن الثاني عشر. وصفوف الأحجار التي تليها والتي يراوح ارتفاعها بين ٥۰ ـ ٦۰ سنتيمتراً تعود إلى زمن نور الدين وزمن الأيوبيين. أما مداميك الأحجار الصغيرة ذات الأبعاد ۲۰- ۳۰ سنتيمتراً فهي تعود إلى عهد المماليك، وبقية الأحجار غير المنحوتة العُلْوية، وُضعت بعد الفتح العثماني.

قلّت العناية بأسوار دمشق وأبراجها في العهد العثماني، وذلك لأنها أصبحت غير لازمة في الحرب بعدما تقدم فن المدفعية، فجعل الانصراف عن الاهتمام بالأسوار أمراً محتوماً له ما يبرره. ولهذا أخذ الناس يبنون بيوتاً متواضعة على الأسوار ويستفيدون من أساساتها. وامتلأت الخنادق التي كانت أمام السور بما كان يُلقى بها من أنقاض وغيرها. وتُركت القلعة وشأنها، وانتقلت الحياة الرسمية منها، ولم يبق فيها إلاّ حاكم كان يسمّيه السلطان لتمثيل سلطته في المدينة ولمراقبة الباشا «الحاكم». أما أبواب السور فإنها لم تعد لها فائدة إلا كمناطق اجتياز وعبور تدخل منها البضائع إلى المدينة وتجرى عندها هناك المكوس.

أما أهم معالم سور مدينة دمشق فهي: برج نور الدين، وبرج الصالح أيوب، وقلعة دمشق، وأبواب السور.

*******

برج نور الدين

يقع في الطرف الجنوبي الغربي من سور المدينة، ويبلغ ارتفاعه الحالي عشرة أمتار. بناه نور الدين زنكي سنة ٦٥٤هـ / ۱۲٥٦م، له قاعدة مربعة وشكل شبه مستدير، ويشبه الأبراج التي بناها المهندسون المسلمون في هذا القرن. والبرج مبني من أحجار أُخذت كما يُظَنّ من سور المدينة القديم. ويلاحظ أن صفوفها السفلية أضخم من صفوفها العلوية التي جددت في زمن الملك الناصر قلاوون.

*******

برج الصالح أيوب

يستند هذا البرج إلى الزاوية الشمالية الشرقية من المدينة، ويصل سورها الشرقي بسورها الشمالي. أنشأه الملك الصالح أيوب سنة ٦٤٦هـ / ۱۲٤۸م، كما تشير كتابة بالخط النسخي على قطعة مرمر داخل إطار في جبهته الشمالية.

ويعد البرج نموذجاً للأبراج الأيوبية الدمشقية، شكله مربع وبناؤه مستوحى من أشكال وتخطيطات أبراج القلعة التي سبقته، ويختلف عنها ببعض التفاصيل، منها: أن الوجوه الخارجية لأحجاره ملساء وغير بارزة، ومنحوتة بشكل جيد وما تزال محافظة تماماً على هيئتها القديمة.

كانت توجد عليه شرفات متصلة لم يَبقَ منها الآن إلاّ مساندها المعلّقة عند الطابق المتوسط.

*******

قلعة دمشق

بُنيت قلعة دمشق على سور المدينة، خلافاً لأكثر القلاع الإسلامية كقلاع حلب وشيزر وحماه وحِمص التي شُيّدت على بعض المرتفعات.

والسلجوقيون كانوا أول من فكر ببناء هذه القلعة لتحصين دمشق. ولما حكم الملك العادل، أخو السلطان صلاح الدين الأيوبي، هدم القلعة القديمة وبدأ يجدِّد بناءها منذ سنة ٦۰٥ هـ / ۱۲۰٦ م.

للقلعة شكل مستطيل تقريباً مساحته ۲۲۰ مضروبة بـ ۱۹۰ متراً لها ثلاثة عشر برجاً، يبتعد كل منها عن الآخر ثلاثين متراً، وكانت تتصل ببعضها بأسوار مرتفعة سمكها ۱٤۰ متراً. واستُخدمت القلعة كمكان للنشاط السياسي والإداري في دمشق. وكان في جنوبها الغربي قصر لم يَبقَ منه إلا بعض الحجرات المتتابعة المسقوفة بالقِباب. ويظن أن قاعات الاستقبال كانت أمام هذه الحجرات كما تدل الآثار.

رُمِّم بعض حصون القلعة وأسوارها، أو أُعيد إنشاؤه عدة مرات، منذ زمن بنائها حتّى أول القرن السادس عشر، حيث جدد الملك الظاهر بيبرس عدة حصون في شمالها وجنوبها. وأصلح السلطان قلاوون بعض أبراجها الشرقية والقصر الملكي. وعمل ابنه الناصر ومن بعده نوروز الحفيظي وقانصُوه الغوري أيضاً في إصلاح عدة مواضع من السور والأبراج.

*******

المصدر: موقع www.imamreza.net.

المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد