ارتفاع معدل التفكك الأسري والطلاق في الأسر العربية والإسلامية، مما يُنذر بوقع كارثة عالمية أولاً، وكارثة إسلامية ثانياً
، فمعدل الطلاق التي ترصدها الوزارات، والمؤسسات، والمراكز المختصة مرعبة لدرجة تطلب من كل العاملين في الحقول الإسلامية الشرعية والقانونية والاجتماعية والتربوية، بالمبادرة إلى وضع حلول ناجعة لهذه الظاهرة.(1)
إذن، التفكك والطلاق هما بداية تفتت وتفسخ المؤسسة العائلية، وذوبانها، ويقف الإسلام بكافة مبادئه أمام هذه الظاهرة، ولا يكون هذا إلاّ لابتعادنا عن مبادئ وقيم الإسلام والأخلاق المتجسدة بأهل البيت عليهم السلام، ولو تمسكنا بتعاليم الإسلام لما وصل الحال بنا إلى هذه المرحلة.
وهنا سؤال يطرح نفسه أیّ الخیارین أفضل؟ الطلاق أو ممارسة الحیاة الزوجیّة لحل المشاكل العائلية؟
مهما کان الطلاق ضرورة في الحیاة الزوجیّة في بعض الأحیان، ولم یکن بدّاً منه في بعض الظروف، وقد أقرّت بذلك الشریعة الإسلامیّة إلاّ أنّها اعتبرته من أبغض المباحات عند الله ومن أقبحها، وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن الله عز وجل يحب البيت الذي فيه العرس، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من الطلاق».(2) وقدّمت فیه مقترحات فاعلة منها التوصیة بالتوافق والإصلاح، والعفو عن الزلاّت والصبر علی النوائب وعلی المرارة فی الحیاة حتّی جعل الشارع المقدس مدّة الاعتداد بعد الطلاق لصالح استمرار الحیاة الزوجیّة.
وقد أشار الإمام الرضا علیه السلام أنّ الإسلام جعل في الطلاق شروطا لصالح تحکیم العلاقة الزوجیّة مع أنّه أمر مباح ومشروع وذلك لتعقید خیار الطلاق، أدلی إلی ذلک عندما سأله أحد أصحابه وهو علي بن الحسن بن علي ين فضّال، فيقول: «سَأَلْتُ الرِّضَا (عليه السلام) عَنِ الْعِلَّةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا لَا تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ لِلْعِدَّةِ لِزَوْجِهَا حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِنَّمَا أَذِنَ فِي الطَّلَاقِ مَرَّتَيْنِن فَقَالَ تَعَالَى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ يَعْنِي فِي التَّطْلِيقَةِ الثَّالِثَةِ ولِدُخُولِهِ فِيمَا كَرِهَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ الطَّلَاقِ الثَّالِثِ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ فَلا تَحِلُّ لَهُ … حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ لِئَلَّا يُوقِعَ النَّاسُ الِاسْتِخْفَافَ بِالطَّلَاقِ وَلَا تُضَارَّ النِّسَاءُ… ».(3)
إنّ الأسرة محفل کلّما ازداد حفاوة ودفئاً وحناناً خلّف توفیقاً أکثر في الإنسان، ومن هنا أشار الإمام الرضا علیه السلام إلی أهمّیّته، وذکر بعض الأسباب لازدیاد الحنان فیه، فأوصی علیه السلام في کلمة منوّرة بحسن المعاشرة مع الأسرة وأخبر بأسلوب تعامله مع زوجته، وذكر كلام جده رسول الأكرم صلى الله عليه وآله: «أَحْسَنُ النَّاسِ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ».(4)
و قال في کلام آخر له في بیان لزوم تسهیل المعیشة للأسرة: «صاحب النعمة يجب عليه التوسعة على عياله».(5)
و أیضاً روی حدیثاً عن جدّه الکریم أمیر المؤمنین في مذمّة تکلیف الأسرة فی سبیل رضا الآخرین: «عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام أَنَّهُ دَعَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام: قَدْ أَجَبْتُكَ عَلَى أَنْ تَضْمَنَ لِي ثَلَاثَ خِصَالٍ، قَالَ: وَمَا هِيَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: لَا تُدْخِلْ عَلَيَّ شَيْئاً مِنْ خَارِجٍ، وَلَا تَدَّخِرْ عَنِّي شَيْئاً فِي الْبَيْتِ، وَلَا تُجْحِفْ بِالْعِيَالِ. قَالَ: ذَاكَ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَجَابَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام».(6)
فلو تمسّكنا بتعاليم الإمام الرضا عليه السلام لم نشاهد هذه الإحصائيات التي تنشره المؤسسات المرتبطة في ارتفاع نسبة الطلاق.
ـــــــــــــــــــــــــــ
1ـ يذكر صاحب كتاب أنماط التفكك الأسري: الدراسة تثبت أن نسب الطلاق في دول العربية تقترب من نصف حالات الزواج المسجلة فيها، ص 14.
2ـ الكافي: ج 6، ص 54.
3ـ علل الشرائع: ج 2، ص 507.
4ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2 ص38.
5ـ الوافي: ج 10، ص 437.
6ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 2، ص 42.
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.