كان الحداد يخرج الحديد الزهر من التنور بيده دون استخدام أيّ وسيلة، استغربت كثيراً!! فقُلت مع نفسي: لابد أن يكون هذا الرجل من الصالحين والأخيار، حيث لا يحترق يده في النار!! فذهبت إليه؛ لكي أسأله دليل ذلك.
أيّها الحدّاد، كيف يمكنك أن تفعل هذا الأمر ولا تُصيب بأذى؟
قال الحداد: في يوم من الأيام أتتني إمرأة جميلة وأرادت منّي المساعدة. قلت لها: بأنّني ساُلبّي طلبُكِ إن لبّيتِ طلبي، وأتيتِ معي إلى البيت.
لم تقبل بذلك أولاً، لكن بعد بضعة دقائق عادت وقَبِلَت طلبي…
العفّة هي أمر باطني لا يمكن إظهارها ومعرفتها لوحدها، بل لابد من رؤية تصرفات الشخص حتّى نعرف مدى عفّته، ومعنى العفّة هي: منع النفس عن الشهوات والإجتناب مِن طغيان النفس في جميع الملذّات والاعتدال في ذلك؛(2) ولذلك يقول الإمام الصادق (عليه السلام) مخاطبا الرجال: >عَفُّوا عَن نساءِ النّاسِ تُعَفُّ نِساوُكُمْ<.(3)
عجباً لبعض الرجال!!
يتكلمون عن العفّة وكأنّ القضية قصراً على النساء فقط، بينما الذي خلق الخلق، جعل العفّة لكل من الرجل والمرأة، ولكن بما أنّ المرأة هي الرُكن الركين في العفّة؛ فلهذا عندما تحدّث عن الزنا قدّم النساء على الرجال في آية: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي}(4) ويمكن أن يُقال؛ لأنّ الشهوة في المرأة أقوى وعليها أغلب، وإن كانت أشد حياء من الرجل، لكنّها إذا زنت ذهب الحياء والعفّة من المجتمع كلّه، وأيضاً فإنّ العار بالنساء ألحق إذ موضوعهن الحياء والعفّة فتقديم ذكرهن في الآية على الرجال هو اهتماماً لهذا الأمر.
فلذا إنّ عفّة الرجل والمرأة مرتبطتان بالآخر بشكلٍ مباشر، ولو تخطّى وتعدّى كلّ واحد منهما حدود العفّة والحجاب، فمن المُحتمل كثيراً أن يتخطّى الطرف الآخر تلك الخطوط أيضاً، والعكس صادقٌ كذلك، فإذا حافظ كلّ واحد من الزوجين حدود العفّة والحجاب سيتمسّك ويتعهد الطرف الآخر بالحفاظ على هذين الأمرين الأساسيين، فلهذا أكّدوا المعصومين (عليهم السلام) على مراعاة هذين الأمرين المُهمين مِن قِبَل الطرفين.
إنّ المعصومين (عليهم السلام) وجّهوا هذا الكلام للرجل حتى يُحافظ على عفّة زوجته بقولهم:
عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: >هِبَةُ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ يُزِيدُ في عِفَّتِها<،(5) وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) كذلك: > وَالتَّهْيِئَةُ مِمّا يُزِيدُ اللهُ بِهِ عِفَّةَ النِّساءِ<.(6)
ثمّ قال الحداد: أغلقت باب محلّي، وذهبت بها إلى البيت.
عندما دخلت عليها رأيتها ترتجف كأنّها على وشك الموت. سألتها عن ذلك؟
قالت (وهي ترتجف وتبكي): أفعل هذا الأمر؛ لأنّ أولادي أيتام، وليس لدي مال لكي أشبعهم أرجو أن لا تفعل بي هذا.
قال الحداد: رقّ قلبي عليها، وأعطيتها مالاً يكفيها مؤونتها، وتركتها لوجه الله عزّ وجلّ، وهي دعت لي أن لا تحترق يدي في الدنيا والآخرة.
ثمّ من بعد ذلك لم يعد تحترق يدي في الحرّ…
[1]) الكافي ط إسلامية، ج5، ص553، ح3.
2) تهذيب الأخلاق، ص21.
3) وسايل الشيعه، ج14، ص79.
4) سورة النور: 2.
5) من لايحضر الفقيه، ج4، ص281.
6) وسايل الشيعه، ج1، ص88.
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.