قبسات من تاريخ عمارة المرقد العلوي

0
22

قال السيد عبدالكريم بن طاووس (قدس) في “فرحة الغري” : (ولو أخذنا في ذكر من زارهُ وعَمَرَهُ, وتقرّب إلى الله تعالى بذلك لأطلنا فيه, من الملوك, والعظماء, والوزراء, والأدباء, والقضاة, والفقهاء, والعلماء, والمحدّثين النبلاء) [فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (فرحة الغري – السيد ابن طاووس – الصفحة ١٥٧).

وهنا يجب ان نذكر ان المتوكل العباسي – لعنه الله- أمر في سنة 236هـ/850 م بهدم قبري أمير المؤمنين الامام علي  والامام أبي عبدالله الحسين عليهما السلام ومنع المؤمنين من زيارة هذين المشهدين الشريفين, ولم تنتهي المحنة إلا بمقتله على يد ولده المنتصر في سنة 247هـ/861 م، والذي تسلم مقاليد الحكم وخفف من التضييق على اتباع أهل البيت (عليهم السلام).

يقول المؤرخ المسعودي في “مروج الذهب”: (وكان آل أبي طالب قبل خلافته في محنة عظيمة, وخوف على دمائهم, قد مُنعوا زيارة قبر الحسين والغريّ من أرض الكوفة, وكذلك مُنع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد, وكان الأمر بذلك من المتوكل العباسي سنة ست وثلاثين ومائتين… ولم تزل الأمور على ما ذكرنا إلى أنْ أُستُخلِفَ المنتصر, فأمن الناس, وتقدّم بالكف عن آل أبي طالب, وترك البحث عن أخبارهم, وأنْ لا يمنع أحد زيارة الحيرة لقبر الحسين رضي الله تعالى عنه, ولا قبر غيره من آل أبي طالب, وأمر برد فدَكَ إلى وُلد الحسن والحسين, وأطلق أوقاف آل أبي طالب, وترك التعرض لشيعتهم ودَفَعَ الأذى عنهم) [مروج الذهب ومعادن الجوهر: 4/ 149].

ومما يجدر ذكره في هذا الصدد انَّ التضييق على العلويين وشيعتهم قد عاد بعد وفاة المنتصر بعد فترة حكم قصيرة استمرت لستة أشهر, ولم يعاد ترميم دكّة القبر التي هدمها المتوكل, بل تم رصف الحجارة حول القبر, وما يؤيد ذلك الرواية المهمة التي ذكرها ابن طاووس بسنده عن محمد بن علي بن دُحيم الشيباني, قال: (مضيتُ أنا ووالدي علي بن دُحيم, وعمّي حسين بن دُحيم, وأنا صبيٌّ صغير سنة نيف وستين ومائتين, ومعنا جماعة متخفّين إلى الغري لزيارة قبر مولانا أمير المؤمنين عليه السلام, فلمّا جئنا إلى القبر وكان يومئذ قبر حوله حجارة سند, ولا بناء عنده, وليس في طريقه غير قائم الغري) [ فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام] .

ونقل هذه الرواية المهمة العلاّمة المجلسي في “بحار الأنوار”, وجاء فيها ما نصه: (فلمّا جئنا إلى القبر وكان يومئذ حول قبره حجارة سود ولا بناء حوله عنده) [بحار الأنوار: 42/ 315].

 واستمر الأمر على هذا الحال إلى أن وضع داود العباسي صندوقاً خشبياً على القبر الشريف في عام 273هـ/886 م إثر حادثة نبش القبر وظهور الكرامة لمولانا أمير المؤمنين (ع). وبقي هذا الصندوق لمدة عشر سنوات معرضاً للظروف الجوية المختلفة الى أن أنشأ السيد محمد بن زيد الداعي الحسني العمارة الأولى لمرقد جده إمام المتقين عليه السلام.

وسوف نستعرض العمائر التي شيدت على المرقد المقدس تبعاً لتسلسلها الزمني وكما يأتي:

 

عمارة الملك محمد بن زيد الداعي الحسني

أمر ملك طبرستان السيد محمد بن زيد الداعي الحسني في سنة 283هـ /896م ببناء حرم وقبّة للمرقد المطهر, وأحاط البناء بحصن فيه سبعون إيواناً لخدمة الزوّار والمجاورين. وكان هذا الملك قد أرسل أموالا من طبرستان لتعمير العتبات المقدسة في النجف وكربلاء والمدينة المنورة. قال ابن طاووس ما نصه: (وهو بنى المشهد الشريف الغروي أيام المعتضد, وقُتل في وقعة أصحاب السلطان, وقُبِرَ بجرجان, كذا ذكره في المشجرة) .

وكان إمامنا جعفر الصادق عليه السلام قد أخبر صاحبه فرات بن الأحنف غيبيا عن هذه العمارة عندما وقف على القبر في إحدى زياراته وقال: (( ها هنا قبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه, أما إنَّه لا تذهب الأيام حتى يبعث الله رجلاً ممتحناً في نفسه بالقتل يبني عليه حصناً فيه سبعون طاقاً )). قال حبيب بن الحسين: (سمعت هذا الحديث قبل أنْ يُبنى على الموضع شيء، ثم إنَّ محمد بن زيد وجّه فبنى عليه، فلم تمض الأيام حتى أُمتحن محمد في نفسه بالقتل).

وقال العلاّمة الشيخ محمد السماوي في أُرجوزته “عنوان الشرف في وشي النجف” عن لسان الراوي:

وقد سمعـتُ انـّه قد خطبا    ***   فيـها وقال  ستكون قُطْبـا

وسوف يبنيها فتى من ولدي   ***    ويُعقـد السور عليها  بعدي

سبعين طاقـاً دائراً عليـها   ***  وسوف تقصد الورى إليهـا

وتُعد عمارة الداعي الحسني هي بداية التخطيط الحضري لمدينة النجف الأشرف ونشوء المشهد, فبدأت من حينها المجاورة للمرقد العلوي المطهر والدفن بقربه.

 

عمارة الأمير عبدالله بن حمدان الحمداني:

هي عمارة والي الموصل الأمير أبو الهيجاء عبدالله بن حمدان الحمداني المتوفى سنة 317هـ. قال الإدريسي في كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”: (وعلى ستة أميال من الكوفة قبّة عظيمة مرتفعة الأركان, من كل جانب لها باب مغلق, وهي مستورة من كل ناحية بفاخر الستور, وأرضها مفروشة بالحُصر السامانية, ويُذكر أنَّ بها قبر عليّ بن أبي طالب, وما استدار بالقبّة مدفن لآل أبي طالب, وهذه القبّة بناها أبو الهيجاء عبدالله بن حمدان في دولة بني العباس, وكان قبل في دولة بني أميَّة مخفياً) .

وقد رجّح الأستاذ الدكتور صلاح الفرطوسي أنْ يكون تاريخ بناء هذه العمارة في عام 311هـ إذ يقول ما نصه: (ولم يقف أحد من الباحثين على تاريخ محدَّد لهذه العمارة, ويغالبني الظن أنَّ الأمر بها كان في سنة 311 هـ/ 923م, إذ إنَّ أبا الهيجاء كُلّف بالحج نيابة عن الخليفة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة, أو أنّه قرر الحج فيها, ولابدَّ أنَّه توقف في الكوفة على عادة حجيج العراق, وزار قبر أمير المؤمنين عليه السلام, وأمر بإعماره ثم توجَّه من بعد الى الحج…).

 

عمارة الزعيم عمر بن يحيى العلوي

أقيمت هذه العمارة من قبل زعيم الكوفة عمر بن يحيى العلوي في سنة 338هـ /949م, فقد بنى حرماً جديداً وقبّة كبيرة على المرقد العلوي المقدس. قال الشيخ محمد حسين حرز الدين في “تاريخ النجف الأشرف” عن العلوي ما يأتي: (اختصّه الله بفضيلتين فضيلة بناء قبّة جدّه أمير المؤمنين عليه السلام من خالص ماله, وردّ الحجر إلى محلّه, حيث توسّط الشريف أبو علي عمر بن يحيى العلوي هذا بين الخليفة المطيع لله في سنة 339هـ وبين القرامطة حتى أجابوه إلى ردّ الحجر الأسود, وجاؤا به إلى الكوفة وعلّقوه على الاسطوانة السابعة من أساطين الجامع قبل ردّه إلى بيت الله الحرام, وذلك تصديق لما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في إخباره بالمغيّبات).

عمارة السلطان عضد الدولة البويهي

قام حاكم بغداد السلطان عضد الدولة البويهي بإزالة العمارة السابقة وإنشاء عمارة فخمة بقبة بيضاء على المرقد العلوي المقدس في سنة 366هـ/976م في عهد الخليفة الطائع العبّاسي وستر جدران الحرم بخشب الساج المنقوش.

وعندما تُوُفَّيَ في سنة 372هـ دُفن في المشهد المطهر- بناء على وصيته- فتم دفنه في الرواق الشرقي للحضرة الشريفة مما يلي القدمين. قال الدميري: (ولما مات كُتم موته, ودُفن بدار المملكة ببغداد ثم ظهر موته, وأُخرج من قبره وحُمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فدُفن به, وكان عضد الدولة قد بنى المشهد قبل موته).

وجاء في كتاب “تاريخ النجف الأشرف” نقلاً عن الكتاب الفارسي “مجمل فصيحي” ما نصه: (في هذه السنة – أي 366هـ – تولّى عضد الدولة أبو شجاع فناخسرو بن ركن الدولة بن بويه الديلمي الإمارة بعد وفاة والده ركن الدولة, وهي السنة التي شيّد فيها دار الشفاء في بغداد, ودار الشفاء في شيراز, وعمارة ضريح قبر علي أمير المؤمنين عليه السلام في النجف…).    

ويقول الشيخ محمد حسين حرز الدين في تاريخِهِ: (وأقام عضد الدولة أمام الرواق بهواً كان يجلس فيه متأدباً لقضاء الحوائج, وفي هذا البهو وتحت الرواق عُقدت حفلة حضرها الأمراء والنقباء والعلماء, وهناك ألقى الشاعر الشهير الحسين بن الحجّاج قصيدته الفائيّة الشهيرة. وأقام حصاراً فيه الغرف والإيوانات, وأنشأ داراً للضيافة, وبذل الطعام للزائرين ثلاثة أيام, وأجرى الجرايات, وبثَّ العطاء للذين ينوون الإقامة والمجاورة).

ويعطينا ابن بطوطة في رحلته الشهيرة وصفا لعمارة عضد الدولة البويهي عندما زار النجف عام 726هـ/1325م قائلاً: (… ثم باب الحضرة حيثُ القبرُ الذي يزعمون أنّه قبرُ عليّ عليه السلام, وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة, وحيطانها بالقاشاني, وهو شبه الزّليج عندنا لكن لونَه أشرقُ ونقشَه أحسنُ.

ويُدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة, ولكل وارد عليها ضيافة ثلاثة أيّام من الخبز واللحم والتمر مرّتين في اليوم, ومن تلك المدرسة يُدخلُ إلى باب القبّة, وعلى بابها الحُجّاب والنقباء والطواشيّة, فعندما يصل الزائر يقومُ إليه أحدهم أو جميعهم وذلك على قدر الزائر, فيقفون معه العتبة, ويستأذنون له, ويقولون:

“عن أمركم يا أمير المؤمنين هذا العبدُ الضعيف يستأذن على دخوله الروضة العليّة فإنْ أذنتم له وإلاّ رجع, وإنْ لم يكن أهلاً لذلك فأنتم أهلُ المكارم والستر,” ثم يأمرونه بتقبيل العتبة وهي من الفضّة وكذلك العضادتان, ثمَّ يدخل القبّة وهي مفروشة بأنواع البُسط من الحرير وسواه, وبها قناديل الذهب والفضّة, منها الكبارُ والصغارُ, وفي وسط القبّة مسطبةٌ مربّعة مكسوّة بالخشب عليه صفائح الذهب المنقوشة المُحكمة العمل, مُسَمّرة بمسامير الفضّة, قد غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منه شيء, وارتفاعُها دون القامة, وفوقها ثلاثةٌ من القبور يزعمون أنَّ أحدها قبرُ آدم, عليه الصلاة والسلام, والثاني قبرُ نوح, عليه الصلاة والسلام, والثالث قبرُ عليّ, رضي الله تعالى عنه.

وبين القبور طُسوت ذهب وفضّة فيها ماء الورد والمسك وأنواع الطيب يَغمس الزائر يده في ذلك ويدهن به وجهه تبركاً. وللقبّة بابٌ آخر عتبته أيضاً من الفضّة وعليه ستور من الحرير الملوّن يُفضي إلى مسجد مفروش بالبُسط الحسان مستورة حيطانُه وسقفُه بستور الحرير, وله أربعة أبواب عتباتها فضّة وعليها ستور الحرير. وأهل هذه المدينة كلّهم رافضيّة).

 

العمارة الإيليخانية

بقيت عمارة المرقد العلوي التي أنشأها عضد الدولة لفترة طويلة الى أن احترقت في سنة 755هـ, ويبدو ان اشتعال الستور الحريرية التي كانت تغلف جدران الحرم المطهر يومئذ بفعل شموع الإضاءة كانت هي السبب في حدوث الحريق الذي أتى على البناء برمته. عندها انبرى الأمير حسن بن نويان الجلائري وهو من الأسرة الإيليخانية التي حكمت العراق بإعادة بناء المرقد المطهر في سنة 755هـ/1354م, واستمر العمل لمدة خمس سنوات الى أن اكتملت العمارة الجديدة في سنة 760هـ/1358م. وتوفي الشيخ حسن الجلائري سنة 757هـ في بغداد, ونُقل إلى النجف ودُفن في المقبرة الإليخانية في الصحن الشريف. وقد اكتملت هذه العمارة في سنة 760هـ في عهد ولده الأمير أُوَيس الجلائري.

قال الشيخ جعفر محبوبة: (قلتُ ويظهر من تتبع أحوال الإيلخانيين وما أوجدوه في حكومتهم من الأبنية والعمارات من مدارس ومساجد ورباطات وقنوات في النجف وغيرها انَّ هذه العمارة لهم, فإنَّ للشيخ حسن آثار جليلة في النجف وكربلاء فنعتقد انَّ هذه العمارة لهم وفي عصرهم حدثت).

 

 

العمارة الصفوية

وهي العمارة الفخمة الحالية للمرقد العلوي المطهر التي أمر بإنشائها الشاه عباس الأول الصفوي في سنة 1023هـ/1614م, لتحل محل العمارة الإليخانية. قال المؤرِّخ الشهير السيد حسين البراقي المتوفى سنة 1332هـ في كتابه “اليتيمة الغروية والتحفة النجفية” ما نصه:(وإنَّ بناء قبر أمير المؤمنين عليه السلام للشاه الأول وهو الشاه العباس الأول وكان هو الذي جمع البنائين والمهندسين وبذل الأموال الكثيرة, وبنوا القبّة والرواق والصحن الشريف وهو هذا البناء اليوم, وكان تفصيل الصحن والقبّة بنظر الشيخ البهائي رضي الله عنه).

وعندما توفي الشاه عباس الأول في سنة 1038هـ , لم تكن العمارة قد اكتملت بعد فأتمها حفيده الشاه صفي بن صفي ميرزا بن الشاه عباس الأول. نقل مؤرِّخ النجف الشيخ جعفر محبوبه في موسوعته “ماضي النجف وحاضرها” عن كتاب “المنتظم الناصري” (فارسي) لمؤلفه محمد حسن خان 282 في حوادث سنة 1042 ما ترجمته:(جيء بماء الفرات إلى أرض النجف بحكم الشاه صفي, فإنّه حين ما جاء زائراً القبّة المنورة وذلك المرقد الطاهر رأى بعض النقصان في بناء المرقد أَمَرَ وزيره ميرزا تقي المازندراني بإصلاح تلك الأماكن المشرّفة فجاء بالمعامير والمهندسين إلى النجف ومكث فيها ثلاث سنين مشغولاً بهذا العمل ووجدوا معدن صخر في غاية الصفاء والجودة في حوالي النجف فنقل ما يحتاجون إليه) [17].

وقد أشار الشيخ محمد السماوي في أُرجوزته الموسومة “عنوان الشرف في وشي النجف” إلى العمارة الصفوية بقوله:

ثم بنى الشاه بها (العباسُ)   ***    ما عجبت مما بناه الناسُ

فوسّع الصحن وشادَ القبّة     ***    وأحكم الأُس وأعلى التربة

إلى أنْ يقول:

ثم بَنى الشاه (الصفيّ) الصفوي    ***    حفيده أبـــــــهى بنـــــــاءٍ عَـلَوي

قبراً رخــــــــــامـاً دونـه  شبـاكُ   ***    لا الشمـــــس تحكيه ولا الأفـلاكُ

وقبـّــــــــــــة  بيــــــــن  منـارتيـنِ*** كالشمس  قد حُفـّت بكوكبينِ.

ان العمارة الصفوية الحالية لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام هي تحفة فريدة من الفن الإسلامي الأصيل يحار القلم في وصفها ويقصر في التعبير عنها. فهي  تعدُّ أعظم وأفخم العمارات التي شيدت على مراقد أهل البيت عليهم السلام, وأجملها من حيث الهندسة والريازة, ولا تضاهيها أي عمارة أخرى.

وقد تشرف العلامة الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي المعروف بالشيخ البهائي “قدس سره” المتوفى سنة 1030هـ أو 1031هـ بوضع  هندستها المعمارية بطلب من الشاه عباس الأول الذي كان معاصرا له. فضلا عن ذلك وضع البهائي في هندسته للروضة الشريفة إعجازاً فلكياً من قبيل تعيين زاوية الزوال وتحكيم بزوغ الشمس على الحرم المقدس.

وقد تضمنت هندسة البناء أيضا جوانب عدة من الرمزية العقائدية المستوحاة من آيات القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت صلوات الله عليهم. وقد تناقل الخلف عن السلف ان غرفة الشيخ البهائي كانت تقع في الطابق العلوي في الجهة الغربية من الصحن الشريف وهي الغرفة المجاورة لرواق أبي طالب عليه السلام في الوقت الحاضر من الجهة اليسرى.

يقول الاستاذ الدكتور حسن الحكيم: (وكان للشيخ البهائي (ت 1031) دور كبير في هندسة الصحن الشريف والحضرة الحيدرية, إذ من النادر ان نجد له ندا بين العلماء العرب والمسلمين في حذق العلوم الرياضية والفلكية والهندسية فضلا عن العلوم الدينية. وقد بقي في مدينة النجف الاشرف مدة من الزمن استاذا في مدرستها, ونشأت بينه وبين علماء النجف علاقات وثيقة ودارت بينه وبينهم مراسلات شعرية ونثرية بعد مغادرته النجف الى اصفهان, واثناء وضعه خطط الصحن الحيدري الشريف بنى مكانا لنعال الزائرين, وقد كتب عليه…).   

وكان الشيخ البهائي قد نظم بيتين من الشعر نُقشت على القاشاني لتزيّن جدار المكان المخصص لحفظ الأحذية المعروف بالكيشوانية. ذكر البهائي في كتابه “الكشكول” ما نصّه: (قد صمّم العزيمة كاتب هذه الأحرُف محمد المشتهر ببهاء الدين العاملي على أنْ يبني مكاناً في النجف الأشرف لمحافظة نعال زوار ذلك الحرم الأقدس, وأنْ يكتب على ذلك المكان هذين البيتين اللذين سنحا بالخاطر الفاتر وهما:

هذا الأُفق المبينُ قد لاحَ لديكْ            ***    فاسجدْ متذللاً وعفّر خدّيكْ

ذا طورُ سينين فاغضضِ الطرفَ بِهِ    ***    هذا حَرَمُ العزَّةِ فاخلعْ نَعلَيكْ

أما أهم السمات الهندسية لهذه العمارة فتتمثل بالقبة البصلية الشكل ذات الرقبة الطويلة التي يبلغ ارتفاعها عن أرض الصحن العلوي الشريف 30 متراً – الى حد عقدة البناء-, لذا فهي تعد أعلى قباب الأئمة عليهم السلام. وان ما يميز المنارتين الاسطوانيتين هو انخفاضهما عن القبة المنورة بمتر واحد. ويلاحظ ان المدخل الرئيس للحرم الشريف يكون من الجهة الشرقية من جهة الإيوان الكبير.

ويقع الحرم المقدس وسط الصحن الحيدري الشريف. ويلاحظ ان الصحن يتخذ شكلا مربعا وله باحات ثلاث الشرقية والشمالية والجنوبية, ويُحاط الصحن بسور كبير يتألف من مجموعة كبيرة من الغرف التي تنتظم بطابقين تتقدمها الأواوين. ومن الجدير بالذكر ان أبواب الصحن الشريف كانت ثلاثة في وقت إنشاء هذه العمارة وهي المعروفة الآن بباب الساعة من الجهة الشرقية وباب الطوسي من الجهة الشمالية وباب القبلة من الجهة الجنوبية.

وان ما يميز العمارة الصفوية هو جدرانها المكسوة بالقاشاني ذي النقوش الزخرفية ذات الأشكال المتنوعة والتناسق الدقيق والألوان المشرقة وقد ضمنت الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة والقصائد الشعرية في مدح أهل البيت عليهم السلام ولا سيما سيد الأوصياء عليه السلام.

ومما يجدر ان نذكره هنا ان المرقد لم يكن مذهبا في العهد الصفوي بل مكسوا بالحجر القاشاني الأزرق حتى زمن السلطان نادر شاه  إذ أمر في سنة 1155هـ/1742م بقلع القاشاني عن القبّة والمنارتين والإيوان الكبير وإكسائها بالصفائح النحاسية المطلية بالذهب الخالص.  

المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد