ورد في القرآن الكريم مفردة (الكلمة) في عدة مواضع و منها قوله تعالى (( إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ )) ( آل عمران ـ 45).
وفي موضع آخر (( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) ( الأنعام ـ 115).
وقوله تعالى: (( فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيّدَهُ بِجُنُودٍ لّمْ تَرَوْهَا وجعلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا )) (التوبة ـ 40) .
وغيرها الكثير من الآيات.
فما معنى (الكلمة) التي وردت عدة مرات في القرآن الكريم؟
ولكي نفهم ما المقصود من هذه المفردة يجب معرفة المعنى اللغوي فقد قال اللغوي والنحوي علامة اللغة (عبد الله بن عبد الرحمان) المعروف بـ ( ابن عقيل) والذي ينتهي نسبه إلى عقيل بن أبي طالب في شرحه لألفية ابن مالك : ” تطلق الكلمة في اللغة ويراد بها الجملة المفيدة ، كقوله تعالى : ((كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا )) إشارة إلى قوله تعالى : (( قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ )) ، أقول فوصف الله تعالى كلام المفرط والمتحسر على فعله وهو جملة تامة ( بالكلمة ) وذلك في قوله تعالى : (( كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا )) فالكلمة تدل على المعنى الموضوع لها فهي عبارة عن أداة للدلالة على المعنى ، فبدل إحضار الأشياء والمجسمات الخارجية لإخطار المعنى في ذهن المخاطب تقوم الكلمات مقام تلك الأعيان والمجسمات الخارجية لإخطار المعنى في الذهن .
إذن وظيفة الكلمة هي إخطار المعنى في الذهن فتنتقش صور الاعيان والمجسمات الخارجية في الذهن بواسطة المعنى الدال عليها ، وكلمة الله عز وجل لها وجه شبه بوظيفة الكلمات اللغوية فالكلمة اللغوية وظيفتها إظهار المعنى والكلمة اللاهوتية وظيفتها إظهار حجج الله عز و جل لأنهم الدلائل الأتم والأظهر على عظمة الله عز وجل وما يؤيد هذا المعنى قول الله تعالى لمريم بنت عمران (عليها السلام) : (( وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ )).
فهل معنى الكلمات هنا هي الأصوات الفيزيائية التي تصل إلى الاسماع عبر الأثير ؟
بالطبع لا !
إنما المقصود بالكلمات هي الآيات الكونية الناطقة من الحجج كالانبياء والاوصياء ، وإن أعظم كلمات وآيات الله تعالى على الإطلاق هو النبي الاعظم محمد (صلى الله عليه وآله) ، فكما أنه خاتم الرسل ، فهو المتمم لكلمات الله تعالى وبه (صلى الله عليه وآله) تتم شريعة موسى وعيسى عليهما السلام ورسالتهما وذلك إشارة لقوله تعالى: ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ))، ومتمم شريعة سيد المرسلين هي ولاية اميرالمؤمنين (عليه السلام) ـ كما قال الله تعالى عن لسان نبيه (صلى الله عليه وآله) : (﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ﴾) ( المائدة ـ 4) ـ والأئمة من بعده خاتمهم حجة الله المنتظر الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فإن كلمة الله تحوي الكتاب والعترة وذلك قول النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) : (( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا )) .
فالكلمة لا بد ان تقترن بالعمل بمضمونها وإلا ليس لها شأن سوى إخطار المعنى في الذهن فحسب ؛ وهو ما يعبر عنه علماء الأصول بالدلالة التصورية ولا تصل النفس لمرحلة اليقين والتصديق والإذعان كما قال الله تعالى للمتحسر على فعله في الدنيا : (( كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا )) أي أن هذه الكلمة ليس لها شأن؛ أي لا يتبعها العمل الذي ينجيه من العذاب ، والعمل الذي يجب العمل به هو القرآن والعترة والذي لا ينفك أحدهما عن الآخر .
الكاتب / الشيخ محمد عبد العزيز المدحوب
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.