ولتحديد كون خوف الطفل بات مشكلة تستحق التدخل العلاجي وطريقة علاجها ، يوجب علينا ملاحظة السلوك اليومي للطفل ، فإذا كان خوفه لا يؤثر عل سلوكه اليومي فلا مشكلة في ذلك ، أما إذا لوحظ تأثيرا سلبيا للخوف على حياته او تسببه بإجهاده نفسيا او جسديا ؛ فهنا يجب تبني علاجه ؛ وإتباع أسلوبا خاصا معه.
وتتعدد أسباب الخوف تبعا لعمر الطفل فمن هو بعمر السنتين فما دون قد يخاف من الأصوات العالية او الصراخ او الحركة المفاجئة والسريعة او استكشاف الأشياء الجديدة ، مما يدفعه للتعبير عن ذلك ببكائه ولجوئه لأحد الوالدين ، أما الأطفال بعمر السادسة فما دون ، فتكون لديهم مخاوف من العقاب الجسدي سيما العنيف منه ، فضلا عن تخوفه من بعض الحيوانات او الأماكن المظلمة او العالية ، وربما من سلوكيات معينة كالسباحة ، مما يدفعه للتعبير عن ذلك بالتردد من القيام بالفعل بل وامتناعه عنه.
وتختلف أسباب خوف الطفل بعيد دخوله المدرسة وذلك لاختلاف البيئة التي يختلط فيها مع أقرانه ، وما يفرضه ذلك عليه من واجبات ومواجهات مع أصدقاءه ومعلميه ، وهنا يأتي دور الأهل وبشكل محوري من خلال توفير الجو الملائم لأقلمته مع الوضع الجديد والعالم الخارجي الذي يمده بالاعتماد على نفسه دون الوالدين .
ومن المشاهد الواقعية للخوف الأطفال ، تلك التي يزرعها الأهل انفسهم في قلوب أطفالهم ، ومثال ذلك ما عبرت عنه إحدى الأمهات بقولها : (( لاحظت أن ابنتي شديدة الخوف كنتاج لما تسمعه عن عمليات الخطف التي تسمع عنها بين الفينة والأخرى ، حتى أن ذلك منعها من النوم ليلا ، بل تأتي أحيانا وهي تبكي لتنام في سريرنا )) ، وبعيد الاستقصاء عن الأمر تبين لنا ان سبب ذلك هو ما بذرته الأم في طفلتها من تخويف بعد سردها لحالة خطف تعرض لها احد أفراد أسرتها في وقت سابق .
وفي صورة اخرى يكون فيها الأهل سببا مباشرة لخوف الطفل ، هو أن يرمي الأب ابنه المرتعب في جهة عميقة من بركة السباحة بداعي تعليمه السباحة ، صارخا بوجهه : ” لا تكن جبانا .. اقفز ” .
أما عن تلك الأم التي تخاطب صغيرتها ذات السبع سنوات : ” إذا لم تتناولي طعام العشاء كاملا سأرمي بك الى الخارج ! حيث يمكن للعفاريت ان تنال منك ” .
وإذا ما تهيبت الطفلة ذات الخمس سنوات من الذهاب للحمام بمفردها ، او صعودها الدرج صوب الطابق العلوي ليلا ومن دون إنارة ، فإن تجاهل أمها لمطالبها او سخريتها منها ، قد يدفعانها لتشكل عقدة خوف متلازمة لها .
ومراجعة صغيرة منا لطرق التربية القديمة ـــ على بساطتها وعفويتها ـــ خصوصا تلك المشحونة بعبارات الطمأنينة من احد الأبوين لطفله بأن : ” لا تخف أبدا ، فلن يصيبك شيء سيء ” أو ” لا تخف ، فأنك في مأمن ” او ” أبوك وأمك سيحميانك ، فلا تخف ” ، نجد بوضوح ان نتائجها شبه مثالية ! فلا مخاوف لدى الأطفال ـــ على الأغلب ـــ في وقت نرى فيه عقدة خوف الأطفال قد استشرت بهذه الأجيال خصوصا مع مشاهد القتل والإرهاب والعنف بل وتوسعت لتخيف حتى الأهل ، وهي بطبيعة الحال بيئات مظلمة وآسنة بالرعب ، لذا فلزاما على الأهل ان يوازنوا بين منح الحرية لأطفالهم وتقييدهم بل وتخويفهم بحجة الحرص عليهم ، لأن مبالغة الأهل في حماية أطفالهم يحرمهم ـــ الأطفال ـــ من اختبار الحياة ، ويمنعهم من اكتساب المهارات اللازمة لحماية انفسهم ويحيل بينهم وبين التفكير السريع في حل صعاب حياتهم .
كما يجب على الأهل فهم الخوف الطبيعي لأطفالهم ومعرفة مستوى الاهتمام به وضرورته وحسب كل حالة ، بل ومتى يتطلب ذلك اهتماما إضافيا بما يساعدهم في تجاوز عتبة خوفهم .
وتتعدد طرق علاج خوف الطفل تبعا لأسبابه ، فمنهم من يحتاج مكافأة ما كمنحه انتباه الأبوين حسب المبدأ السيكولوجي الذي يعتبر المكافأة تشجيع على تكرار سلوك ما ، كأن تأتي الأم لغرفة طفلها أثناء الليل مع نوبة بكاؤه لتمضي معه بعض الوقت وتظهر له محبتها وتسأله عما يشغل باله ، بما يؤمن له مقومات الأمان ريثما يخلد لنومه على ان يكون ذلك بأقل ما يمكن من وقت .
كما يمكن معالجة خوف الطفل بإشعاره بالأمان وتعزيز ثقته بالله وبرسوله آل بيته عليهم السلام ومساعدته بشكل متكرر بما يعينه على الولوج فيما يخافه بشكل تدريجي وهادئ ..
زهراء حكمت
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.