كان على البئر صخرة كبيرة فأتى موسى (عليه السلام) وأزالها وسقى الأغنام ومشى بها حتى وصل الأغنام والفتاتين لمنزلهما وذهب.
عندما عادتا الفتاتين إلى أبوهما شعيباً (عليه السلام)، تعجب من عودتهما المبكرة، فسألهما عن دليل ذلك؟ حكتا لأبوهما ما حدث لهما مع موسى (عليه السلام)، فطلب من أحداهما (صفورة) أن تذهب إليه وتدعوه إلى المنزل، ذهبت صفوة إلى موسى (عليه السلام) وقالت له: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} (2). وبعد كلام دار بينهم…
قالت صفورة لأبوها: إستأجره يا أبي فهو قوي وأمين، فوافق شعيب (عليه السلام) وعرض على موسى (عليه السلام) أن يتزوج إحدى إبنتيه (صفورة) أو (وليا)، وطلب منه مهراً هو أن يخدمهم 8 سنوات: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} (3).
الزواج أمرٌ لبقاء وإستمرار البشرية ولابد من الإلتزام بها لكن هناك أمور تتعلق بالزواج. فهي مهمّة في ذاتها لكن قد لا يلاحظها الجميع حيث يتخطونها ويعملون خلافها. رأينا في قصة النبي موسى (عليه السلام) بأنّه حصل على الزوجة من خلال أخلاقه الحسن ومساعدته للآخرين من دون طلب أي عوض. فلذا جزاه النبي شعيب (عليه السلام) بحفظه وأمانه من المصريين وبتزويجه إحدى إبنتيه، لكن جعل عليه مهراً وهو أن يخدمه 8 سنوات.
المهر إحدى أسس الزواج ومن مقوماته ويمكن القول بأنّه نوع من الحماية للبنت لكن لابد أن يكون شيئاً معقولاً حيث لا يكون إجحافاً في حق الزوج. فلهذا جعل النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) مقداراً معيناً للمهر وذلك في حديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: >إذا تَزَوَجتَ فَاجْهُد أنْ لا تَتَجَاوَزَ مَهرُهَا مَهرُ السُنّةِ وهُو خَمِسمَائَةُ دِرهَمٍ فَعَلى ذَلِك زَوّجَ رَسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) وَتَزَوَّجَ نِسَائَه< (4) فالمهر السنة الذي جُعل 500 درهماً (أي فضة) الذي يُساوي 50 مثقالاً من الذهب فالنبيّ (صلى الله عليه وآله) عمل به أيضاً.
أمّا أحد معايير في تعيين ومقدار المهر يرجع إلى شأن البنت وعائلتها فلابد من مراعاة شأنيتها ومقامها ومقام عائلتها الإجتماعي لكي لا يكون إجحافاً في حقّها ولا يسبب لها أو لعائلتها حرجاً أمام الآخرين بحيث يكون كفوءاً لها كما قال النبي (صلى الله عليه وآله): >زَوِّجُوا الْاكْفاءَ وَتَزَوَّجُوا الْاكْفاءَ<(5). وفي نفس الوقت لا يكون المهر مقداراً خارجاً عن العرف ولا يكون غلواً فيها فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: >لا تُغالوا في مُهورِ النِّساءِ فَيَکونَ عَداوَةً<(6).
أمّا المقدار المتعارف من المهر بالنسبة إلى البنت -المُسمى ﺑ (مهر المثل)- هو: ما يتعارف بين أقران تلك البنت في مقدار المهر.
لكن الشريعة الإسلامية وعلى لسان الأئمة المعصومين (عليهم السلام) يرى بأنّه مع مراعاة كلّ ما ذكرنا من الأمور في مسألة المهر على أنّه لو كان المهر قليلاً فهو خيرٌ كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): >أَنَّ مِنْ بَرَكَةِ الْمَرْأَةِ قِلَّةَ مَهْرِهَا<(7)، فمن الجيد أن نعمل بهذا الكلام ولكن مع مراعاة باقي جوانب الأخلاقية والدينية في الحياة. (1) القصص: 23.(2) القصص: 25.(3) القصص: 27.(4) بحارالانوار، جلد 103، ص350.(5) نهج الفصاحة، ج1، ص511.(6) مكارم الأخلاق، ص237.(7) روضة المتقين، ج8، ص98.
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.