موعظة حسنة ولكن …
تحدثت الأم لصغيرها وأخبرته عن عقوبة من يكذب ، وبأن الله عز وجل سيلقي الكاذبين في النار ، عقابا لهم عما بدر منهم من تصرفات سيئة ، وإنه سبحانه يرى كل أفعالنا وتصرفاتنا ولا يخفى عنه شيء منها ، وبأنه يكشف كذبنا يوم القيامة بعد ان تشهد علينا بذلك أيدينا وأرجلنا .
جاء هذا الحديث وفقا للمنهاج المدرسي ، حيث كان الفتى في الصف الثالث الابتدائي ، ومع أن الطفل كان صغيرا على أن يدرك كل ما يوجه له من إرشادات ووعظ ديني ، ولكنه شعر بالخوف من العقوبة التي تنتظره في حال اقتراف ذنب ما، وخصوصاً الكذب ؛ بعدما شددت الأم على بغضها للكاذبين ووصفها للكذب بأنه صفة مذمومة وغير مقبولة دينياً واجتماعياً .
كل ما تقدم من حديث الأم ، جيد ومدعاة للتقدير ، كونه ضروريا لإرساء العقيدة الحقة والمبادئ والأخلاق السامية في نفوس الصغار ، ليتجنبوا كل عمل لا يرضي الله جل شأنه ، وأن يتعودوا على السلوك الصحيح الممنهج وفقا للدين والأخلاق ، لكن يجب أن يتوافق كلامها مع فعلها ، وأن تكون قدوة في تصرفاتها ويكون حديثها مرآة تعكس التزامها ، وإلا ، فما الداعي لتوجيهاتها أن كانت هي أول من يخرقها وينقضها .
نعم هذا ما كان يفكر به الصغير حينما تعده أمه بشيء وتنقض وعدها له ، ليتمتم في سره بأن ” ماما تكذب ” ، وحينما يسمع حديثها مع أحدهم وهي تقول عكس الواقع ؛ وتخبرهم بأمور غير موجودة ، في وقت قد لا تكون منتبهة لأكاذيبها ، أو أنها تبرر لنفسها على أنها ” كذبة بيضاء ” ، مع أن الكذب كذب ، وليس له لون؛ ابيض او اسود ، وعلى الأقل أنه لا يميز ألوان الكذب ، فكيف به والحال أنه يسمع ويرى كذباً من حوله ؟
بالطبع سيكون الجواب بأحد الأمرين … إما أنه يعي أن الكبار يمكن ان يكذبون وهذا ما سيفقده الثقة بهم ، فضلا عن عدم إتباعه لتوجيهاتهم مستقبلا ، وربما يتعامل معهم بحالة من العناد والغضب والتصرفات غير السوية …
أو أنه يتعامل مع كذبهم بصورة طبيعية أي يتطبع معهم ويتآلف مع طريقتهم في الحديث ويستسهل الكذب ويتناسى العقوبة .
والآن … وبعد أن وضعنا أمامك ـــ سيدتي ـــ موضوعنا هذا للنقاش ، في وقت قد تكونين غفلت عن تصرفاتك حيال هكذا ظواهر ، عليك ان تعي جيدا أن للطفل ذاكرة قوية ، واستيعاب واسع لكل ما يدور حوله ، مما يحتم عليك ان تتعاملي معه بحذر لا استخفاف وكأنه لا يتابع أخطائك ولا يفكر بها .
كما أن توجيهك للطفل يجب أن يكون من صميم ما تتحلين به من مبادئ وقيم ، فالطفل يقلد ويحاكي كل ما يدور حوله وخصوصاً تصرفات أبويه لأنهم يمثلون له الرمز والإطار العام لبناء شخصيته ـــ حسب علماء نفس الطفل ـــ ولذلك فأن تأثر الطفل بسلوك عائلته أمر طبيعي ، وعليه فأن أي كلام أمام الطفل يجب أن يكون مباشر وصريح ولا ينضوي تحت ما يسمى بالكذب ألأبيض .
كما أن عليك ان تهيئي بيئة مناسبة للطفل تعكس سلوكه ، فليس من الطبيعي أن تكذبي وتقولي له ” لا تكذب ” أو تصرخي ونقول له ” لا تصرخ ” أو ان تبرري لنفسك أي تصرف خاطئ وتنهيه عن ذلك .
ايمان كاظم الحجيمي
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.