ولادةُ عليٍّ (ع) في جوفِ الكعبة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
إذا كان عليٌّ (ع) قد وُلد في جوف الكعبة وأنَّ جدارها قد انشقَّ لأمِّه فدخلت منه ووضعت في جوف الكعبة عليَّاً (ع) فلماذا لم يُحدِثْ ذلك ثورة وعي وصحوة عند قريش وهم يُشاهدون هذه الكرامة؟
الجواب:
لقد ظهرت عند ولادة النبيِّ الكريم (ص) وبعده وحين مبعثه وبعده كرامات هي أبلغ من ولادة الإمام عليٍّ (ع) في جوف الكعبة الشريفة ورغم ذلك فإنَّها لم تُحدِث ثورةَ وعيٍ وصحوة عند قريش، ذلك لأنَّهم قد غرقوا في العصبية والجهل وأعماهم الكبرياء والتغطرس عن رؤية الحقِّ أو الاعتراف به.
وعلى أيِّ حال فقد شاع وذاع أمرُ ولادة عليٍّ (ع) في جوف الكعبة ولم يتنكَّر لهذا الحدث من أحدٍ إلا بعد أنْ نشأت المذاهب العقائدية والتي كان يعزُّ على الكثير منها أنْ تُذاع منقبةٌ لعليٍّ (ع) فجهدوا في إخفاء الكثير منها إمعاناً في إضعاف موقعه الديني ومحاولةً منهم لإبراز مَن كان في تلميعه مصلحةٌ لهم، فقد حذَّر معاوية بن أبي سفيان كلَّ مَن يذكر لعليٍّ (ع) منقبة: و”كتب معاوية نسخةً واحدة إلى عمَّاله بعد عام الجماعة أنْ برئت الذمَّة ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كلِّ كورة، وعلى كلِّ منبر يلعنون عليًا ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته ..”(1) وكتب إلى عمَّاله في وقتٍ آخر “ولا تتركوا خبراً يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب إلا وأتوني بمناقضٍ له في الصحابة مفتعلة فإنَّ هذا أحب إليَّ، وأقرُّ لعيني، وأدحضُ لحجَّة أبي تراب وشيعته ..”(2) كما تذكر ذلك النصوص التأريخية، وقد أجاد الفراهيدي حين قال: إنَّ عليَّ بن أبي طالب “كتم أحباؤه فضائله خوفاً وأعداؤه حسداً، وظهر بين الكتمانين ما ملأ الخافقين”(3).
ولابأس في المقام مِن ذكر بعض ما ورد من أنَّ عليَّاً (ع) وُلد في جوف الكعبة:
فمن ذلك: ما رواه الشيخ الطوسي في الأمالي بسنده عن أبي عبدالله الصادق (ع) عن آبائه (ع): قال: “كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى، بإزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت اسد بن هاشم أمُّ أمير المؤمنين(ع)، وكانت حاملةً بأمير المومنين (ع) .. فوقفت بازاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمتْ بطرفها نحو السماء، ودعت .. لمَّا تكلمت فاطمة بيت أسد ودعتْ .. رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمةُ فيه، وغابت عن أبصارنا، ثم عادت الفتحة والتزقت باذن الله .. وبقيتْ فاطمة في البيت ثلاثة ايام. قال: وأهل مكة يتحدَّثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدَّث المخدرات في خدورهنَّ. قال: فلمَّا كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيتُ من الموضع الذي كانت دخلتْ فيه، فخرجت فاطمةُ وعليٌ (ع) على يديها”(4).
وأورد صاحب البحار عن الفتال النيسابوري في “روضة الواعظين” خبراً مختصراً عن عليِّ بن الحسين (ع) قال: “إنَّ فاطمة بنت اسد رضي الله عنها ضربها الطلق، وهي في الطواف، فدخلت الكعبة، فولدت أمير المؤمنين (ع) فيها”(5) قال: وفي آخر خبر موسى بن جعفر (ع) قال: “فولدتْ عليَّاً في الكعبة، طاهراً مطهراً لم يكن فيه كثافة، ووُلد مختوناً مقطوع السرة، ووجهه يضئ كالشمس، فسمَّاه أبو طالب عليَّاً، وحمله النبيُّ (ص) وأتى به إلى البيت”(6).
هذا نزرٌ يسيرٌ ممَّا ورد في مصادرنا، وأمَّا ما ورد في مصادر العامَّة:
فمن ذلك: ما أفاده الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين قال: فقد تواترت الأخبار أنَّ فاطمة بنت أسد ولدتْ أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب في جوف الكعبة”(7).
ومنه: مأفاده ابن الصبَّاغ المالكي في الفصول المهمَّة قال: وُلد عليٌّ (ع) بمكة المشرفة بداخل البيت الحرام .. ولم يُولد في البيت الحرام قبله أحدٌ سواه، وهي فضيلة خصَّه الله تعالى بها إجلالاً له وإعلاء لمرتبته وإظهارا لتكرمته”(8)
ولولا خشية الإطالة لنقلت الكثير من النصوص التي أوردوه في مصنَّفاتهم، إلا أنه يمكنكم للوقوف على المزيد من مصادر العامَّة التى أوردت هذه المنقبة لعليِّ بن أبي طالب (ع) يمكنكم مراجعة كتاب الغدير للعلامة الأميني (رحمه الله)، فقد ذكر ما يفوق الستة عشر مصنَّفاً من مصنَّفات الحفَّاظ والمحدِّثين من أبناء العامة في الجزء السادس، وكذلك يُمكنكم مراجعة كتاب شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي (رحمه الله) فقد أورد الكثير من كلمات محدِّثي العامَّة ومؤرِّخيهم المعبِّرة عن التسيلم بوقوع هذه الفضيلة لعليٍّ (ع)(9).
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.