موقعها الجغرافي:
تقع الكعبة في الجهة الغربية من جزيرة العرب، في واد من أودية تخوم جبال السراة، تحفه الجبال من كل جانب عند تقاطع خط العرض 25 – 21 شمالاً، وخط الطول 39ـ49، ويصل ارتفاعها عن سطح البحر إلى أكثر من ثلاثمائة متر.
أسماؤها:
إنَّ من أهم وأشهر أسماء الكعبة هو (بيت الله)، وقد ورد في القرآن الكريم أسماء أخرى للكعبة، وهي: البيت، البيت الحرام، البيت العتيق، البيت المحرم، أول بيت، والكعبة مع بعض الأجزاء الأخرى يتكون منها المسجد الحرام.
تأريخ بنائها:
اختلف المؤرخون في تاريخ بناء الكعبة على أقوال وقد ذكر القرآن الكريم إنَّ الله تعالى أمر نبيه إبراهيم (ع) وابنه إسماعيل (ع) أن يعيدا بناء الكعبة على أسها الأول، فأعادا بناءها، كما أنزل في القرآن: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
ومن أقوال المؤرخين في تاريخ بناء الكعبة: فمنهم من قال أنها بنيت وعُمّرت خمس مرات الأول بناء الملائكة، والثاني بناء سيدنا آدم (ع)، والثالث بناء إبراهيم (ع)، والرابع بناء قريش في الجاهلية وحضره النبي (ص) و هو ابن خمس وعشرين سنة، والخامس بناء ابن الزبير، ثم هدم الحجاج بعضه.
وقيل: بنيت عشر مرات: آدم وشيث بن آدم وإبراهيم والعمالقة وجرهم وقصي بن كلاب وقريش وعبد الله بن الزبير عام 65 هـ، والحجاج بن يوسف عام 74 هـ، والسلطان مراد الرابع عام 1040 هـ، والأخير وضع الباب المذهب الموجود حاليا للكعبة.
قال الله تعالى: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم» [البقرة:127].
ولقد بنى إبراهيم عليه السلام الكعبة من بعد طوفان نوح عليه السلام بحجارة بعضها فوق بعض من غير طين وجص، وحفر في باطنها على يمين من دخلها حفرة عميقة كالبئر يلقى فيها ما يُهدى إليها تكون خزانة لها، ولم يجعل للكعبة سقفاً، ولا باباً من خشب أو غيره، وإنما ترك لمكان الباب فتحة في جدارها الشرقي للدلالة على وجه البيت.
وقد كان بناء النبي إبراهيم للكعبة من خسمة جبال، من طور سيناء، وطور زيتاء، ولبنان، والجودي، وحراء، وكانت الملائكة تأتيه بالحجارة من تلك الجبال، فكان هو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، فبناها على أساس آدم، وهذا الأساس حجارته من جبل حراء. وقد جعل إبراهيم عليه السلام للكعبة ركنين فقط، الركن الأسود والركن اليماني ولم يجعل لها أركاناً من جهة الحِجر بل جعلها مدورة على هيئة نصف دائرة كجدار الحِجر، وجعل الباب لاصقاً بالأرض وغير مبوب، وجعل ارتفاعها من الأرض إلى السماء تسعة أذرع، وجعل عرض جدار وجهها اثنين وثلاثين ذراعاً، وعرض الجدار المقابل واحداً وثلاثين ذراعاً، وعرض الجدار الذي فيه الميزاب اثنين وعشرين ذراعاً، وعرض الجدار المقابل له عشرين ذراعاً.
بناء قبيلة جرهم
هذا وتعد قبيلة «جرهم» اليمنية أولى القبائل التي سكنت مكة المكرمة بعد ان هاجرت اليها وأذنت لهم هاجر ام اسماعيل عليه السلام بالسكن إلى جوارها، بشرط الا يكون لهم في ماء بئر زمزم إلا ما يشربون منه وما ينتفعون به فوافقوا ونزلوا وأرسلوا الى أهليهم فنزلوا معهم، وظلت جرهم تشرب من ماء زمزم فلما استخفت بالبيت الحرام وتهاونت بحرمته وأكلت مال الكعبة الذي كان يهدى نضب ماء زمزم وانقطع حتى اختفى مكانه. وذكر الازرقي بسنده عن علي بن ابي طالب عليه السلام قال في خبر بناء ابراهيم للكعبة، انهدم البناء فبنته ثم انهدم فأقامته قبيلة جرهم التي اقامت نحو 300 سنة لا ينازعها في ولاية البيت احد، ولما خلا الجو لجرهم بغوا وطغوا واكلوا اموال الكعبة، واستأثروا بما يهدى وفرضوا الاتاوات على الحجاج والمعتمرين وكافة القوافل التجارية التي تمر بمكة المكرمة وسرقوا كنوز الكعبة المعظمة، وارتكبوا الفواحش على مقربة من الكعبة المعظمة حتى حاربتها خزاعة وانتصرت عليها، واخرجتها من مكة صاغرة حيث لا مكان للطغاة والظالمين في حرم اللّه.
بناء قصي بن كلاب
يقول ابن إسحاق: كان قصي بن كلاب قد وُلي أمر الكعبة، وكانت له الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء فحاز شرف مكة كله. وقصي هو الجد الرابع للنبي صلى الله عليه وآله، وقد جد في بناء الكعبة، وجمع النفقة ثم هدمها، وبناها بنياناً لم يبن أحد ممن بناه مثله وقد سقفها بخشب الدوم الجيد وبجريد النخل وبناها على خمسة وعشرين ذراعاً.
بناء قريش
ذكر أن البناء الذي تلى بناء قصى كان لجد النبي صلى الله عليه وآله عبد المطلب، وهو مسنود على رواية الفاسي في (شفاء الغرام) لكنه غير ثابت، فلم يرد في المراجع والمصادر التاريخية لا صراحة ولا تلميحاً أن عبد المطلب بنى الكعبة المعظمة. أما بناء قريش فهو ثابت، وقد جاء في البخاري ومسلم عن عائشة قالت: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر، أمن البيت هو، قال: نعم، قلت فما لهم لم يدخلوه في البيت، قال: ألم ترى قومك قصرت بهم النفقة، قلت: فما شأن بابه مرتفعاً، قال: فعل ذلك قومك لِيُدخِلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، ولولا أن قومك حديث عهدهم بجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت وأن ألصق بابه الأرض».
وفي سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق أنه قال: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله خمساً وثلاثين سنة أجمعت قريش أمرها على هدمها وبنائها، قام أبو وهب بن عمرو المخزومي وقال: يا معشر قريش، لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيباً لا يدخل فيه مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس.
قال ابن إسحاق: «ثم إن القبائل من قريش جمعت حجارة لبنائها كل قبيلة تجمع على حدة، ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن، فاختصموا فيه، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، حتى تحاوروا وتخالفوا وأعدوا للقتال. فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمساً، ثم إنهم اجتمعوا حولها وتشاوروا وتناصفوا، فقال أبا أمية بن المغيرة: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه، ففعلوا فكان أول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد، فلما انتهى إليهم وأخبروه بالخبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلم إلي ثوباً، فأتى به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعاً، ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ثم بنى عليه. فبنوا حتى رفعوا أربعة أذرع وشبراً، ثم كبسوها، ووضعوا بابها مرتفعاً على هذا الذرع، ورفعوها مدماكاً من خشب ومدماكاً من حجارة، وكان طولها تسعة أذرع فاستقصروا طولها وأرادوا الزيادة فيها فبنوها، وزادوا في طولها تسعة أذرع، وكرهوا أن يكون بغير سقف فلما بلغوا السقف قال لهم (باقوم) الرومي: إن تحبوا أن تجعلوا سقفها مكيساً أو سطحاً فعلت، قالوا: بل إبْنِ بَيْتَ ربّنا سطحاً، فبنوه سطحاً، وجعلوا فيه ست دعائم في صفين، كل صف ثلاث دعائم، من الشق الشامي الذي يلي الحجر، إلى الشق اليماني، وجعلوا ارتفاعها من خارجها من الأرض إلى أعلاها ثمان عشرة ذراعاً، وكانت قبل ذلك تسعة أذرع، وبنوها من أعلاها إلى أسفلها فكانت خمسة عشر مدماكاً من الخشب، وستة عشر مدماكاً من الحجارة، وجعلوا ميزابها يسكب في الحجر، وجعلوا أدرجة من خشب في بطنها في الركن الشامي، وجعلوا لها باباً واحداً وكان يغلق ويفتح.
وبحسب كتاب “تفسير السمعاني 1-4 ج 1(ص98)” تأليف أبى مظفر منصور بن محمد/ السمعاني المروزي، فإن الله تعالى بنى في السماء بيتا هو البيت المعمور، ويسمى صراح، وأمر الملائكة أن يبنوا في الأرض الكعبة على قدره ومثله، وقيل أن أول من بنى الكعبة هو آدم، فاندرس ذلك زمان الطوفان، ثم أظهره الله تعالى لإبراهيم حتى بناه، وذلك وفقا لما ذكر في الأخبار الطوال للمؤلف أبو حنيفة الدينوري.
ويذكر الكتاب أيضا عن بن كثير، أن الناس اختلفوا حول أول من بنى الكعبة، فقيل الملائكة قبل آدم، وروى عن هذا أبى جعفر الباقر محمد بن على بن الحسين، وقيل أدم رواه عبد الرازق بن جريج وسعيد بن المسيب وغيرهم، أن آدم بناه من خمسة جبال من حراء وطور سيناء وطور زيتا وجبل لبنان والجودي، فيما روى ابن عباس وكعب وقتادة وهب أن أول من بنى الكعبة هو شيث عليه السلام، وهو مما لا يصدق ولا يكذب لدى أهل الكتاب.
فيما يذكر كتاب “جامع الآثار فى مولد النبي المختار (ص) 1-7 ج3” لـ أبى عبد الله محمد/ ابن ناصر الدين الدمشقي، بأن الكعبة بنيت عدة مرات واختلف في عدد بنيانها، فقيل بنيت عشر مرات منها الملائكة ومنها آدم ومنها أولاده، ومنها الخليل إبراهيم.
أما القرآن الكريم والحديث الشريف والتاريخ الاسلامي تفيد بأن الكعبة كانت مرفوعة قبل عهد النبي إبراهيم(ع) أي في عهد آدم (ع) وتؤكد ذلك الآية 37 من سورة “إبراهيم” المباركة.
متي رفع بيت الله الحرام؟ وجاء في الآية 37 من سورة إبراهيم المباركة “رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ” وإنها خير دليل علي وجود البيت الحرام في عهد إبراهيم (ع).
وجاء في الآية 96 من سورة “آل عمران” المباركة “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً” وإنها دليل آخر علي وجود الكعبة المشرفة منذ عهد آدم (ع) وإن إبراهيم لم يرفع الكعبة المشرفة أول مرة.
كما روي عن الإمام علي (ع) قوله “ألا ترون أن اللَّه سبحانه اختبر الاولين من لدن آدم صلوات اللَّه عليه الى الآخرين من هذا العالم بأحجار …، فجعلها بيته الحرام …، ثم أمر آدم وولده يثنوا اعطافهم نحوه”.
وتؤكد آيات القرآن الكريم والروايات التأريخية أن الكعبة المشرفة شيدت علي يد النبي آدم(ع) ثم دمرتها عاصفة نوح (ع) حتى رفعها إبراهيم (ع) مرة أخرى.
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.