كربلا لا زلت كربا وبلا.. قصيدة الشريف الرضي الخالدة في رثاء الإمام الحسين

0
14

 

كَربَلا لا زِلتِ كَرباً وَبَلا *** ما لَقي عِندَكِ آلُ المُصطَفى

كَم عَلى تُربِكِ لَمّا صُرِّعوا *** مِن دَمٍ سالَ وَمِن دَمعٍ جَرى

كَم حَصانِ الذَيلِ يَروي دَمعُها *** خَدَّها عِندَ قَتيلٍ بِالظَما

تَمسَحُ التُربَ عَلى إِعجالِها *** عَن طُلى نَحرٍ رَميلٍ بِالدِما

وَضُيوفٍ لِفَلاةٍ قَفرَةٍ *** نَزَلوا فيها عَلى غَيرِ قِرى

لَم يَذوقوا الماءَ حَتّى اِجتَمَعوا *** بِحِدى السَيفِ عَلى وِردِ الرَدى

تَكسِفُ الشَمسُ شُموساً مِنهُمُ *** لا تُدانيها ضِياءً وَعُلى

وَتَنوشُ الوَحشُ مِن أَجسادِهِم *** أَرجُلَ السَبقِ وَأَيمانَ النَدى

وَوُجوها كَالمَصابيحِ فَمِن *** قَمَرٍ غابَ وَنَجمٍ قَد هَوى

غَيَّرَتهُنَّ اللَيالي وَغَدا *** جايِرَ الحُكمِ عَلَيهِنَّ البِلى

يا رَسولَ اللَهِ لَو عايَنتَهُم *** وَهُمُ ما بَينَ قَتلى وَسِبا

مِن رَميضٍ يُمنَعُ الذِلَّ وَمِن *** عاطِشٍ يُسقى أَنابيبَ القَنا

وَمَسوقٍ عاثِرٍ يُسعى بِهِ *** خَلفَ مَحمولٍ عَلى غَيرِ وَطا

مُتعَبٍ يَشكو أَذى السَيرِ عَلى *** نَقِبِ المَنسِمِ مَجزولِ المَطا

لَرَأَت عَيناكَ مِنهُم مَنظَراً *** لِلحَشى شَجواً وَلِلعَينِ قَذى

لَيسَ هَذا لِرَسولِ اللَهِ يا *** أُمَّةَ الطُغيانِ وَالبَغيِ جَزا

غارِسٌ لَم يَألُ في الغَرسِ لَهُم *** فَأَذاقوا أَهلَهُ مُرُّ الجَنى

جَزَروا جَزرَ الأَضاحي نَسلَهُ *** ثُمَّ ساقوا أَهلَهُ سَوقَ الإِما

مُعجَلاتٍ لا يُوارينَ ضُحى *** سُنَنَ الأَوجُهِ أَو بيضَ الطُلى

هاتِفاتٍ بِرَسولِ اللَهِ في *** بُهَرِ السَعيِ وَعَثراتِ الخُطى

يَومَ لا كِسرَ حِجابٍ مانِعٌ *** بِذلَةَ العَينِ وَلا ظِلَّ خِبا

أَدرَكَ الكُفرُ بِهِم ثاراتِهِ *** وَأُزيلَ الغَيِّ مِنهُم فَاِشتَفى

يا قَتيلاً قَوَّضَ الدَهرُ بِهِ *** عُمُدَ الدينِ وَأَعلامَ الهُدى

قَتَلوهُ بَعدَ عِلمٍ مِنهُمُ *** أَنَّهُ خامِسُ أَصحابِ الكِسا

وَصَريعاً عالَجَ المَوتَ بِلا *** شَدَّ لَحيَينِ وَلا مَدَّ رِدا

غَسَلوهُ بِدَمِ الطَعنِ وَما *** كَفَّنوهُ غَيرَ بَوغاءِ الثَرى

مُرهَقاً يَدعو وَلا غَوثَ لَهُ *** بِأَبٍ بَرٍّ وَجَدٍّ مُصطَفى

وَبِأُمٍّ رَفَعَ اللَهُ لَها *** عَلَماً ما بَينَ نُسوانِ الوَرى

أَيُّ جَدٍّ وَأَبٍ يَدعوهُما *** جَدَّ يا جَدَّ أَغِثني يا أَبا

يا رَسولَ اللَهِ يا فاطِمَةٌ *** يا أَميرَ المُؤمِنينَ المُرتَضى

كَيفَ لَم يَستَعجِلِ اللَهُ لَهُم *** بِاِنقِلابِ الأَرضِ أَو رَجمِ السَما

لَو بِسِبطَي قَيصَرٍ أَو هِرقِلٍ *** فَعَلوا فِعلَ يَزيدٍ ما عَدا

كَم رِقابٍ مِن بَني فاطِمَةٍ *** عُرِقَت ما بَينَهُم عَرقَ المِدى

وَاِختَلاها السَيفُ حَتّى خِلتَها *** سَلَمَ الأَبرَقِ أَو طَلحَ العُرى

حَمَلوا رَأساً يُصَلّونَ عَلى *** جَدِّهِ الأَكرَمِ طَوعاً وَإِبا

يَتَهادى بَينَهُم لَم يَنقُضوا *** عَمَمَ الهامِ وَلا حَلّوا الحُبا

مَيِّتٌ تَبكي لَهُ فاطِمَةٌ *** وَأَبوها وَعَليٌّ ذو العُلى

لَو رَسولُ اللَهِ يَحيا بَعدَهُ *** قَعَدَ اليَومَ عَلَيهِ لِلعَزا

مَعشَرٌ مِنهُم رَسولُ اللَهِ وَال *** كاشِفُ الكَربِ إِذا الكَربُ عَرا

صِهرُهُ الباذِلُ عَنهُ نَفسَهُ *** وَحُسامُ اللَهِ في يَومِ الوَغى

أَوَّلُ الناسِ إِلى الداعي الَّذي *** لَم يُقَدِّم غَيرَهُ لَمّا دَعا

ثُمَّ سِبطاهُ شَهيدانِ فَذا *** بَحَسا السُمَّ وَهَذا بِالظُبى

وَعَلِيٌّ وَاِبنُهُ الباقِرُ وَال *** صادِقُ القَولِ وَموسى وَالرِضا

وَعَلِيٌّ وَأَبوهُ وَاِبنُهُ *** وَالَّذي يَنتَظِرُ القَومُ غَدا

يا جِبالَ المَجدِ عِزّاً وَعُلى *** وَبُدورَ الأَرضِ نوراً وَسَنا

جَعَلَ اللَهُ الَّذي نابَكُمُ *** سَبَبَ الوَجدِ طَويلاً وَالبُكا

لا أَرى حُزنَكُمُ يُنسى وَلا *** رُزءَكُم يُسلى وَإِن طالَ المَدى

قَد مَضى الدَهرُ وَعَفّى بَعدَكُم *** لا الجَوى باخَ وَلا الدَمعُ رَقا

أَنتُمُ الشافونَ مِن داءِ العَمى *** وَغَداً ساقونَ مِن حَوضِ الرَوا

نَزَلَ الدينُ عَلَيكُم بَيتَكُم *** وَتَخَطّى الناسَ طُرّاً وَطَوى

أَينَ عَنكُم لِلَّذي يَبغي بِكُم *** ظِلَّ عَدنٍ دونَها حَرُّ لَظى

أَينَ عَنكُم لَمُضِلٍّ طالِبٍ *** وَضَحَ السُبلِ وَأَقمارَ الدُجى

أَينَ عَنكُم لِلَّذي يَرجو بِكُم *** مَع رَسولِ اللَهِ فَوزاً وَنَجا

يَومَ يَغدو وَجهُهُ عَن مَعشَرٍ *** مُعرِضاً مُمتَنِعاً عِندَ اللُقى

شاكِياً مِنهُم إِلى اللَهِ وَهَل *** يُفلِحُ الجيلُ الَّذي مِنهُ شَكا

رَبَّ ما حاموا وَلا آوَوا وَلا *** نَصَروا أَهلي وَلا أَغنَوا غَنا

بَدَّلوا ديني وَنالوا أُسرَتي *** بِالعَظيماتِ وَلَم يَرعَوا أَلى

لَو وَلي ما قَد وَلوا مِن عِترَتي *** قائِمُ الشَركِ لَأَبقى وَرَعى

نَقَضوا عَهدي وَقَد أَبرَمتُهُ *** وَعُرى الدينِ فَما أَبقوا عُرى

حُرَمي مُستَردَفاتٌ وَبَنَو *** بِنتِيَ الأَدنَونَ ذِبحٌ لِلعِدى

أَتُرى لَستُ لَدَيهِم كَاِمرِئٍ *** خَلَّفوهُ بِجَميلٍ إِذ مَضى

رَبِّ إِنّي اليَومَ خَصمٌ لَهُمُ *** جِئتُ مَظلوماً وَذا يَومُ القَضا

المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد