أيُّهما أولى: التَّسامُحُ أم تحقيقُ العَدالَةِ؟

0
47
أيُّهما أولى: التَّسامُحُ أم تحقيقُ العَدالَةِ؟

 

حِينَما تحصُلُ مُشاجَرَةٌ بينَ أبنائِكَ وتتَدَخَّلُ لحَلِّها فأينَ يتَّجِهُ تفكيرُكَ؟ هَل ترغَبُ بأنْ يَحصُلَ الصُلحُ بينَهُم بعدَ أنْ يُسامِحَ المظلومُ المُسيءَ؟ أمِ انَّكَ تُحَقِّقُ العَدالةَ؛ فتُحاسِبُ المُسيءَ، وتَستَرِدُ حَقَّ المظلومِ؟

البعضُ مِنَ النّاسِ ينظُرُ الى التّسامُحِ على أنَّهُ إجراءٌ يكشِفُ عَن وجودِ ضَعفٍ في الشَّخصِ المظلومِ ولا يُمكِنُهُ استرجاعُهُ، فيضطَرُّ الى المُصالَحَةِ فيُسامِحُ مُجبَراً ؟!

والبعضُ الآخَرُ: يَجِدُ ما يُسمُّونَهُ بـ“العَدالَةِ” هِيَ تَعبيرٌ عَنِ الانتِقامِ وشِفاءِ الغَليلِ؟

فعَلى أيِّ جانِبٍ ينبَغي أنْ نكونَ مِنَ القِيَمِ الأخلاقِيَّةِ؟

قد يبدو الأمرُ مُحيِّراً؛ إلّا أنَّ ثَمَّةَ حقيقةٍ يَجِبُ مَعرفَتُها لترتَفِعَ الحَيرَةُ:

إنَّ التسامُحَ ينبغي أنْ يُبادِرَ إليهِ المظلومُ بعدَ شعورِهِ بالقُدرَةِ التامَّةِ على استرجَاعِ حَقِّهِ وتحقيقِ العَدالَةِ.

فمتى ما أحسَّ بأنَّهُ قد ظفَرَ، عليهِ أنْ يُبادِرَ الى تمثيلِ القِيَمِ السّامِيةِ عِبرَ العَفوِ والتّسامُحِ؛ فقد رُويَ عَنِ الإمامِ عليٍّ -عليهِ السّلامُ-: ” تجاوَزْ عِندَ المَقدِرَةِ “ و ” إذا قَدَرتَ على عَدوِّكَ فاجعلِ العَفوَ عَنهُ شُكراً للقُدرَةِ عَليهِ”

وخصوصاً إذا كانَ المُعتَدِي قد أقَرَّ واعتَرَفَ بذَنبِهِ وطَلبَ العَفوَ ومَدَّ يَدَ المُصالحَةِ، فَهُنا تَجِبُ المُبادَرَةُ للتَّسامُحِ إذ سَيَكونُ لَهُ الأولَويّةُ.

أمّا إذا كانَ المظلومُ لا يزالُ مَغصوبَ الحَقِّ ومُضطَهَداً أو أنَّ المُسيءَ لايَزالُ جانِبُهُ قَويّاً والمظلومُ ضَعيفاً …؛ فعَلى المظلومِ السَّعيُ الجَادُّ لتحقيقِ العَدالَةِ، وأنْ يُطالِبَ بحقوقِهِ عِبرَ الطُّرُقِ المشروعَةِ.

ويُروى أنَّهُ قَد سُئِلَ الإمامُ عليٌّ -عليهِ السَّلامُ-عن أفضَليّةِ العَدلِ أوِ الجُّودِ؟ فقالَ -عليهِ السَّلامُ-: “العَدلُ يَضَعُ الأمورَ مواضِعَها، والجودُ يُخرِجُها مِن جِهَتِها، والعَدلُ سائِسٌ عامٌّ، والجُّودُ عارِضٌ خاصٌّ؛ فالعَدلُ أشرَفُهُما!”

فالأولَويّةُ للعَدلِ؛ لأنَّهُ أساسُ استقَامَةِ الحَياةِ وتناسُقِ نظامِها وبِدونِهِ سيكونُ العَيشُ فُوضى ومُضطَرِباً وينعَدِمُ الأمنُ، فالعَدلُ رُوحُ الحَياةِ الاجتماعِيّةِ، و”أحلى مِنَ الماءِ يُصيبُهُ الظمآنُ” كما يقولُ الإمامُ الصادِقُ -عليهِ السَّلامُ-

 


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد