كتب الرهيب محمّد الماغوط :
سافر دون تردد ،،
أنقذ ما تبقى من سنين عمركَ المهدور ،،
سافر وسترى شعوباً غيرنا وتفهم معنى الإنسانية والحياة ،،
ستعرف أننا لسنا أحسن شعوب العالم ولا أعرقهم ،،
لا أحد هناك يعرف شيئاً عن عنترة وشيبوب والزير سالم وتأبط شراً والقعقاع والصعصاع وبطولاتهم البلهاء الوهمية ،،
ستكتشف كذبة ال 6000 آلاف سنة حضارة ، وستكتشف أن بلادك صفراء وليست خضراء كما كنتَ تحسبها ،،
ستعلم أننا لسنا الافضل ، نحنُ فقط عبء على البشرية وعلى الحضارة الإنسانية وحتى على أنفسنا ،،
ستتأكد أن لا وقت ولا طاقة ولا رغبة للغرب في التأمر علينا لأننا نتقن التآمر على بعضنا ، ولأنه مشغول بما هو أهم منا بكثير ،،
ستستغرب لطف سائق التاكسي والشرطي وعامل المطار وموظفة ختم الجوازات أو حتى نادل كشكِ القهوة ،،
ستستغرب أن فرقة مطافئ كاملة تأتي لإنقاذ قطة عالقة على حافة أحد الطوابق العالية من بناء مرتفع ، وأن شرطي المرور يوقف مسير السيارات لتعبر أوزَّة مع صغارها ،،
ستستغرب عندما ترى الحاكم يمشي في الشارع لوحده من دون أن يتحلق الناس حوله ويتغنُّوا بحكمته وعبقريته الفذة التي تحسدهم عليها كل أمم الأرض ، ومن دون أن ترافقهُ مواكب ودراجات نارية ومُصفحات كالتي تشاهدها ترافق موكب حفيد شقيق حاكم بلدك الذي يبلغ من العمر عشر سنوات وهو ذاهب ليأكل الآيس كريم ويلعب البلاي ستيشن مع أصدقائه في المدرسة الإبتدائية ،،
ستستغرب أن الناس تبتسم لك ولبعضها بود ، وستتبادل الاقداح مع رجل غريب في مطعم أو مقهى وتتبادل الإبتسامات مع امرأة حسناء في الشارع دون أن ينظروا إليك على أي شكل من الاشكال غير انك انسان فقط ولا يهمهم غير ذلك منك ،،
نعم ستتعلم احترام غيرك لتنال احترامهم ، وستخجل من تصرفات سيئة كنت تقترفها كبديهيات في وطنك كتجاوز الطابور ، ودفع الرشوة وقبولها ، وتخريب مقاعد الحدائق العامة ووسائل النقل ، وإلقاء القمامة في الشارع ، والتفاخر بقرابتك لمسؤول أمني من الدرجة العاشرة أو صداقتك لأحد أقرباء الحاكم من الدرجة الخمسين ، وسرقة الكهرباء من كبل البلدية ، أو سرقة بطة من بركة المنتزه ،،
نعم سوف تشتاق للأهل والأصدقاء والكثير من الاشياء لكن لن تتمنى أن تعود يوماً لحياتك الموحلة السابقة بعد أن اختبرتَ بنفسك معيشة البشر كما ينبغي لها أن تكون وكما لم تتوقعها أن تكون ،،
وإن عُدت ، فستكون عائداً إما زائر او ميت لا محالة ،،
فلا تَلُم من هجرَ وطنه فلو كان وطناً ما تركه !!
اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.