الجبال في القرآن الكريم

0
6
الجبال في القرآن الكريم

حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة (United Nations General Assembly)  في عام 2003 م يوماً خاصا لتسليط الضوء على أهمية التنمية المستدامة في الجبال، وتقرر أن يكون في 11 ديسمبر من كل عام. وشجعت الجمعية العامة المجتمع الدولي على تنظيم فعاليات على جميع المستويات في ذلك اليوم؛ لتسليط الضوء على أهمية التنمية المستدامة للجبال.
ويعود تاريخ اليوم الدولي للجبال (Mountain  Day) إلى سنة 1992م، وذلك عند اعتماد الفصل 13 من جدول أعمال القرن الحادي والعشرين بشأن إدارة النظم الإيكولوجية الهشة (Managing fragile ecosystems): التنمية المستدامة للجبال في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية، وكان لذلك دور كبير في تسليط الضوء على الجبال والسعي لجعل إحدى أيام السنة يوماً للجبل.
أسماء بعض الجبال في القرآن 
ذكر الله سبحانه وتعالى الجبال في القرآن للدلالة على عِظم الخالق؛ فإذا سار الإنسان في الأرض متفكرًا متأملًا رأى أصنافًا مختلفة من الجبال بألوانٍ وأحجامٍ وخصائص شتى، حيث يقول في محكم كتابه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾،(1) وقد ذكر الله تعالى أمورا ذات أصل واحد ومادة واحدة؛ كالثمرات أصلها واحد وهو الماء، لكنها تختلف وتتنوع بالصفات والأشكال، وكذلك الجبال أصلها واحد، ولكنها تختلف وتتنوع، ففيها الطرائق البيض والصفر والحمر، وفيها ما هو شديد السواد، وتفاوتها دليلٌ عقلي على قدرة الله تعالى، وقد خصّ الله سبحانه وتعالى بعض الجبال بالذكر في القرآن بأسمائها.
جبل الجودي: ذكره الله تعالى في سورة هود في مَعرِض الحديث عن قصة نوح عليه السلام ونجاته ومن آمن معه في الفلك، وغرق القوم الكافرين، ثم استواء السفينة على جبل الجودي، يقول تعالى: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾،(2) وَهُوَ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ، تَشَامَخَتِ الْجِبَالُ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْغَرَقِ وَتَطَاوَلَتْ، وَتَوَاضَعَ هُوَ لِلَّهِ عزّ وجل، فَلَمْ يَغْرَقْ، وأرست عليه سفينة نُوحٍ عليه السلام.
جبل الصفا والمروة: جبل الصفا والمروة ذُكر في معرض قصة السيدة هاجر، فقد هاجرت إلى مكة، وقد أجدبت الأرض، فلا ماء ولا زرع، وهناك على مقربة من الكعبة كانت السيدة هاجر تجري بين الصفا إلى المروة بحثا عن الماء من أجل طفلها الصغير إسماعيل عليه السلام، وقد اشتدّ بهما العطش، لكنها كانت مؤمنة أنّ الله لن يضيعهما، ومطمئنة لقدر الله. وكانت تسعى جاهدة لتأمين الماء لولدها، فأجرى الله زمزم بين قدميه، وبقيت زمزم وحجر إسماعيل والجبلان من الشعائر الخالدة إلى يومنا هذا تذكيراً للمسلمين في كل زمان ومكان بأهمية التوكل على الله والرضا بقضاء الله وقدره، يقول تعالى في سورة البقرة: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّـهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾.(3)
جبل الطور: يقول تعالى في سورة القصص: ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾،(4) وفي هذا تذكير وإشارة للمشركين بعلم رسول الله صلى الله عليه وآله بأمورٍ غيبية لم يكن ليعلمها لولا وحي الله عز وجل له، فلم يكن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله إلى جانب النبي موسى عليه السلام حينما أوحى الله عزّ وجل له، وما جاء هذا الوحي إلّا رحمة للعالمين إلى يوم القيامة.
جبل عرفات: يقول تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾،(5) وقيل: إنّ معنى(ابتغاء الفضل من الله)، أي: التماس رزق الله بالتجارة، وهذه الآية نزلت في قوم كانوا لا يرون جواز التجارة إذا أحرموا، فكانوا يلتمسون البر بذلك.
الجبال في كلام الإمام الصادق عليه السلام
قال الامام الصادق عليه السلام للمفضل: انظر -يا مفضل- إلى هذه الجبال المركومة من الطين والحجارة التي يحسبها الغافلون فضلا لاحاجة إليها، والمنافع فيها كثيرة: فمن ذلك أن يسقط عليها الثلوج فيبقى في قلاها لمن يحتاج إليه، ويذوب ماذاب منه فتجري منه العيون الغزيرة التي تجتمع منها الأنهار العظام، وينبت فيها ضروب من النبات والعقاقير التي لاينبت مثها في السهل، ويكون فيها كهوف ومقايل للوحوش من السباع العادية، ويتخذ منها الحصون والقلاع المنيعة للتحرز من الأعداء، وينحت منها الحجارة للبناء والإرحاء، ويوجد فيها معادن لضروب من الجواهر، وفيها خلا أخرى لايعرفها إلا المقدر في سابق علمه.(6)
عاقبة الجبال في كلام الله
في آخر الأمر تتحول الجبال إلى هباء وكأنها لم تكن، حيث ذكر الله الجبال في أكثر من أربعين آية من القرآن الكريم.
وتكلم عن صفاته وخصائصه، ودعا إلى التأمل في خلقه، وكان الشاهد على الكثير من المعجزات والعبر. وله مواقف خاصة مع كثير من الأنبياء عليهم السلام.
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا، فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا، لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾.(7)
الآيات التي تم ذكر الجبل فيها
1.    ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ سورة البقرة: 260.
2.    ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ سورة الأعراف: 74.
3.    ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ﴾ سورة الرعد: 31.
4.    ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ سورة ابراهيم: 46.
5.    ﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ سورة الحجر: 82.
6.    ﴿وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ٦٨ النحل﴾ سورة النحل: 68.
7.    ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ سورة النحل: 81.
8.    ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ سورة الإسراء: 37.
9.    ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ سورة الكهف: 47.
10.    ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾ سورة مريم: 90.
11.    ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا﴾ سورة طه: 105.
12.    ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ سورة الأنبياء: 79.
13.    ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾ سورة الشعراء: 149.
14.    ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ سورة النمل: 88.
15.    ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ سورة فاطر: 27.
16.    ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ سورة ص: 18.
17.    ﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾ سورة الطور: 10.
18.    ﴿وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا﴾ سورة الواقعة: 5.
19.    ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ﴾ سورة المعارج: 9.
20.    ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا﴾ سورة المزمل: 14.
21.    ﴿وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ﴾ سورة المرسلات: 10.
22.    ﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا﴾ سورة النبإ: الآية 20.
23.    ﴿وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ﴾ سورة التكوير: 3.
24.    ﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ سورة الغاشية: 19.
25.    ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ﴾ سورة القارعة: 5.

الجبال جواهر ينبغي تثمينها
تعتبر الجبال موطنا لحوالي 15٪ من سكان العالم وربع الحيوانات والنباتات البرية في العالم، كما أنها توفر المياه العذبة للحياة اليومية لنصف البشرية. ويعتبر الحفاظ على الجبال من العوامل الرئيسة للتنمية المستدامة وجزء من الهدف 15 من أهداف التنمية المستدامة..
ولسوء الحظ، فالجبال مهددة نتيجة تغير المناخ والاستغلال المفرط لها. ومع استمرار اتجاه المناخ العالمي نحو الدفء، فإن سكان الجبال وخصوصا الأفقر الناس في العالم يواجهون صراعات أكبر من أجل البقاء، كما أن الأنهار الجليدية في الجبال تذوب بمعدلات غير مسبوقة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، مما يؤثر على إمدادات المياه العذبة في اتجاه مجرى النهر التي تساعد ملايين الناس.
إن هذه المشكلة تؤثر علينا جميعا؛ ولذلك يجب علينا الحد من انبعاثات الكربون والعناية بهذه الكنوز الطبيعية.

1ـ سورة فاطر: الآية 27.
2ـ سورة هود: الآية 44.
3ـ سورة البقرة: الآية 158.
4ـ سورة القصص: الآية 46.
5ـ سورة البقرة: الآية 198.
6ـ بحار الأنوار  / العلامة المجلسي / المجلّد: 3 / الصفحة: 127 ـ 128 / – ط مؤسسة الوفاء.
7ـ سورة طه: 105- 107.

 

المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد