حكايات| باع دولة بأكملها.. محارب ينفذ أكبر احتيال في التاريخ

0
25

جمع كبير من الناس وكأنه حشد لحرب قادمة.. عيون تنظر بلهفة وقلوب تتسارع دقاتها وابتسامة تعلو الوجوه في انتظار رؤية الحياة الجديدة التي طالما تخيلوها في بلد وصفها لهم مندوب الدولة الملكي على أنها الجنة على الأرض.

” بوياس” هي تلك الدولة التي انتظارها الجميع بلهفة مشتاق لرؤية ما تم وعدهم به من جنة خصبة وغير مستغلة من الأراضي الزراعية والتلال المتدحرجة والجداول الغنية بالذهب وتمتلك من الطبيعة المنظر النقي والشمس التي تتلألأ في المياه الزرقاء الصافية والأشجار التي تزين الشواطىء الرملية البكر التي لم ترى يوما تلوث.

وفي سبيل الحلم والازدهار المؤكد والذي بدا وكأنه من المستحيل عدم الوصول إليه سواء كنت غني أو فقير كما وعدت إعلانات “بوياس” التي ملأت أرجاء بريطانيا بالحصول على أرض خصبة وأنهار مليئة بالأسماك وغابات تعج بالغزلان باع الحالمون ممتلكاتهم في أوروبا مقابل الحصول على قطعة أرض في بويا وفرصة لتأسيس أنفسهم كطبقة عليا جديدة في منطقة البحر الكاريبي

 ليكتشفوا أن الحلم في الحقيقة مجرد كابوس فـ بوياس لم تكن يوما دولة على الإطلاق وجمال الأرض ما هو إلا مستنقعات وأمراض قضت على غالبية المهاجرين والمندوب الملكي لم يكن سوى محارب اسكتلندي يبحث عن المال والمكانة في واحدة من أكبر عمليات الاحتيال في التاريخ وأكثرها دموية.

 نشأة ماكجريجور 

 في عام 1786 ولد صاحب السمو الملكي المزيف “جريجور ماكجريجور” لأسرة اسكتلندية لم يعرف عنها مطلقا الخداع ولهذا لم تكن نشأته تنبأ يوما على دخوله التاريخ كونه أكبر محتال خاصة وأنه أمضى شبابه محارب في الجيش البريطاني حتى أنه شارك وهو في عمر الـ 16 ولفترة قصيرة ضمن الحروب النابليونية ولكن طموحه الوارد بدأ يسيطر عليه حتى وهو عضو داخل الجيش بحسب موقع ” history”.

 

فبدلا من الانتظار 7 سنوات للحصول على ترقيته للرتبة الأعلى دفع ماكجريجور حوالي 1000 دولار ليشتري لنفسه رتبة كولونيل ورغم ذلك كان يبحث عن طرق أخرى ليكون ضمن النخبة البريطانية فلم يجد فرصة أفضل من الزواج من “ماريا بووتر” ابنة أحد العائلات البريطانية القرية المؤثرة.

 

لتظن أن الحياة قد استقرت له ولكن تصرفاته رفضها قادته في الجيش خاصة وأنه اشتهر بهروبه في أي معركة تبدو على مشارف الخسارة ليتم طرده من الجيش عام 1810 وتوفيت بعدها زوجته ليجد نفسه في مأزق مادي بعد تخلي عائلة زوجته عنه ورغم كل هذه المشكلات لم يتخل ماكجريجور يوما عن حلمه في أن يكون عضو داخل الطبقة الأرستقراطية في لندن.

 

فبدأ يعرف نفسه داخل الأوساط الثرية كونه “السير ماكجريجور” في إشارة كاذبة منه على أنه ينتمي لإحدى الأسر الملكية ولكن تجاهلته النخبة البريطانية فهو لم يبدو عليه يوما صاحب اصول ملكية ولهذا اعتمد ماكجريجور على خطته البديلة السفر إلى بلد أخرى واستكشاف عالم جديد.

 


بداية جديدة 

سافر ماكجريجور إلى فنزويلا وكونه صاحب خبرة عسكرية انضم إلى قوات فنزويلا العسكرية تحت حكم “سيمون بوليفار” الذي قاد حروب الاستقلال عن إسبانيا وبعد تحقيقه العديد من الانتصارات في حرب الاستقلال الفنزويلية اكتسب ماكجريجور شهرة واسعة ومكانة مميزة حتى تمت ترقيته إلى قائد الفرقة في جيش فنزويلا بحسب موقع ” allthatinteresting “.

 

وبعد نجاحه في إثبات نفسه كقائد عسكري تزوج ماكجريجور من “جوزيفا لوفيرا” ابنة عم بوليفار ولكن ظل هذا النجاح وتلك المكانة غير كافية بالنسبة له فحلمه بأن يكون أحد أثرياء لندن مازال يسيطر عليه حتى وجد أفضل فرصة للشهرة والثروة وهو في عامه الـ 25.

 

ابتكار الجنة المزيفة

في عام 1820 لم يجد ماكجريجور أفضل من لعبة الاستعمار الرابحة والبحث عن أراضي غير مكتشفة جديدة وسيلة لتحقيق الشهرة والمال حيث عثر على قطعة أرض مهجورة غير مستغلة كونها موطن للكثير من الآفات على ساحل ” نيكاراجوا” لتكون بداية لدولته المزيفة “بوياس”.

 

وعلى الرغم من تعجب السكان الأصليين من اهتمام ماكجريجور بهذه الأرض والتي لم يروا لها يوما أي استخدام نافع إلا أنهم تنازلوا عنها له مقابل الحصول على المجوهرات ليطلق ماكجريجور على الأرض لقب “بوياس” وينصب نفسه القائد الملكي لها.

 

وبعد أن اطمئن على حصوله على الأرض عاد القائد الملكي المزيف إلى لندن عام 1821 لينشر داخل الأوساط الأرستقراطية وبين النخبة اساطير مستعمرته الجديدة “بوياس” تلك الجنة والمدينة الفاضلة التي تمتلك أرضها من خير الطبيعة مالا يعد ولا يحصى.

 

فتربتها خصبة على مدار العام وأنهارها لا تخلو من كافة أنواع السمك ويستكمل كل هذا بأجوائها المعتدلة طوال العام وامتلاكها مناظر طبيعية جميلة وقطعان شاسعة في البراري بل أضاف عليها إنها دولة متحضرة لديها مباني شاهقة ودار للأوبرا وأنظمة مصرفية لا مثيل لها.

 

وكونه بطلا في زمن الحرب يمتلك قدرات شخصية جذابة استمع الناس بشغف إلى قصصه عن هذه الدولة العظيمة وتناقلت القصص على ألسنة الجميع حتى تمنى الجميع امتلاك أرض في ” بوياس” لينتقل ماكجريجور إلى المرحلة الثانية في خطته.

 

مصداقية “بوياس”

لم يتغافل ماكجريجور يوما عن جعل قصته تبدو ذات مصداقية فصنع المئات من الوثائق ذات المظهر الرسمي وتحمل شعار واسم دولة ” بوياس” ووصل درجة إتقانها إلى عدم القدرة على كشف زيفها حتى بين نخبة بريطانيا.

 

كما اخترع كتاب إرشادي يتكون من 355 صفحة يضم كل المعلومات التفصيلية عن “بوياس” وطبيعتها وطريقة اكتشافها حتى أنه أضاف دولته الوهمية على الخريطة في وقت انتشرت فيه رسم الخرائط غير الدقيق عن أمريكا الجنوبية ودعم تاريخ دولته بحكايات الكتب المزيفة عن البلد الأسطوري.

 

وأمام كل هذه الوثائق وبدعم من الدعاية المكثفة افتتح ماكجريجور مكاتب في لندن لبيع أراضي “بوياس” ليصطف الناس أمام هذه المكاتب رغبة في الاستثمار ونتيجة لزيادة الطلب بدأت أسعار أراضي “بوياس” في الارتفاع حتى عملتها المزيفة “دولار بوياس” كان صاحب مكانة عالية وصلت إلى حد استبدال المستوطنين المتفائلين للجنيه الاسترليني بدولار بوياس.

 

لتكون النهاية مع تنظيم ماكجريجور رحلتين للإبحار المستوطنين إلى أراضيهم الجديدة في دولة الحلم “بوياس” وفي عام 1822 أبحر أكثر من 200 مستوطن على متن سفينتين إلى المدينة الفاضلة المزيفة.

 

كشف الحقيقة 

ووسط لهفة الجميع لرؤية حياتهم الجديدة وصل المستوطنون إلى أراضي دولة ” بوياس” الوهمية ولم يجدوا شيئا سوى مستنقعات وغابات غير مأهولة ليبرر لهم منطقهم أنهم بالتأكيد أبحروا بشكل خاطئ فهذه ليست بدولة والأرض ليست كما تم ترويجها لهم.

 

وفي بحثهم عن دولتهم الجديدة كان التوقيت هو الأسوأ من صدمتهم فهم كانوا في منتصف موسم الأمطار بالبلاد والتي سرعان ما تسبب في زيادة انتشار الملاريا والحمى الصفراء وبحلول وصول المساعدة من مستوطنة بريطانية قريبة من المكان كان حوالي 150 مستوطنا قد فارقوا الحياة ولم يتبقى سوى 50 فقط عادوا إلى إنجلترا.

 

نهاية ماكجريجور

قد تظن أن نهايته هي الحبس ولكن لم يتم اتهام ماكجريجور بأي شىء حتى بعد فراره إلى فرنسا لبدء تنفيذ عملية احتيال جديدة تمكن من إعادة توجيه اللوم إلى “شركائه” الوهميين وتمت تبرئته من جميع التهم ليعود في ثلاثينيات القرن الـ 19 إلى فنزويلا بعد وفاة زوجته واستقر في كاراكاس حيث عاود الاتصال برفاقه العسكريين السابقين.

 

وبمساعدتهم أعيد ماكجريجور إلى منصبه العسكري السابق وحصل على معاش تقاعدي بعد أن تم التأكد من صفته كمواطن فنزويلي حتى توفي عام 1845 وهو حاصل على مرتبة الشرف العسكرية الكاملة.

المصدر


اكتشاف المزيد من مركز الكوثر الثقافي التعليمي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد